* نظرات على كربلاء:
عندما خرج الحسين كان خروجه، من تحت مظلة المثل الأعلى المرتفع.
وكان خصومه قد خرجوا من كهف المثل الأعلى المنخفض. ولم يكن خروج الحسين، نتيجة لوجود المجتمع الحر، وإنما كان الخروج من أجل خلق المجتمع الحر، لأن المجتمع الحر هو الذي يقيم الحضارة الحق. والحضارة لا تقاس بسجونها وبريق ذهبها، وإنما تقاس بعدلها. وعندما توجه الحسين إلى الكوفة، وعلم بمقتل رسله هناك، وبأن الذين أرسلوا إليه قد خذلوه، لم يتراجع وسار في اتجاه الطريق، الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن مقتله فيه. وذلك بعد أن حدد مصدر البلاء، الذي أكره الناس على عدم إقامة الحق والعدل. لقد توجه الحسين إلى كربلاء، ليس من أجل مقاومة الجماهير، وإنما من أجل مواجهة السلطة التي اتخذت مال الله دولا، ودين الله دغلا، وعباد الله خولا، وأصبحت تفرخ الذين يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم. أي تفرخ خوارج جدد، ولكن تحت مظلة بني أمية. لقد اتجه الحسين نحو كربلاء، على امتداد الطريق كان يعلم أنه يسير، بين حراب الذين يكرهون، ويخافون أن يفقدوا ما يحبون. ولكنه واصل المسير، وحوله نداء خالد من الرسول الأعظم يقول فيه: " من حضره فلينصره "، وفيه أيضا: " أنا حرب لمن حاربتم... "، كان الحسين في خطاه، يقيم الحجة على كل صامت، أو متراجع، أو متردد اعتلالا بفساد المناخ، وسطوة القبائل، وتقاليدها وقوانينها، وتمادى الارهاب، وقطع الرؤوس وقتل الأطفال والنساء، كما فعل بسر بن أرطاة وغيره وعلى أرض كربلاء، فاض الدم ألقاني، الذي أراد صاحبه، أن يخرج الأمة من خيام القبائل حيث الحقد والحسد والإرهاب، الذي رفع بنو أمية أعلامه زمنا طويلا. وعلى مقربة من الوادي الذي يفيض بالدم ألقاني، تربع قاضي، على كرسي من الصلب، والنحاس الأصفر، وكأنه يصرخ في أتباعه: اسلكوا هذا السبيل، فلن تجدوا أنفسكم إلا فيه، ومن أبى فإن له من خنجري معولا ولأمزقن به أحشاء الأرض.