لقد كان هذا آخر مواقف ابن عمر، بعد أن صلى وراء الحجاج، وأخذ عنه الحجاج مناسكه يوم أن كانت الكعبة تحترق، وهم يطوفون بها كما سيأتي.
2 - حركة أنس بن مالك:
كان أنس من الذين كتموا حديث الغدير، يوم أن قال علي بن أبي طالب في الرحبة: " أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم الغدير إلا قام " وقام الناس ولم يقم أنس. فدعا علي بن أبي طالب على كل من كتم، ولم يشارك أنس في معارك علي. لكنه تحدث بعد علي عن مناقب أهل البيت، وذلك عندما علم أن مقدمته كانت مقدمة خطأ. روى ابن كثير أن أنس بن مالك جاء إلى الحجاج بن يوسف. فقال له الحجاج، هي يا خبيث، جوال في الفتن، مرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة، ولأجردنك كما تجرد الضب. فقال أنس:
إياي يعني الأمير، قال الحجاج: إياك أعني أصم الله سمعك.
فاسترجع أنس، وشغل الحجاج. فخرج أنس، فتتبعناه. فقال: لولا أني ذكرت أولادي الصغار، وخفت عليهم، ما باليت أي قتل أقتل، وكلمته بكلام في مقامي هذا لا يستخفني بعده أبدا. وروي أن أنسا بعث إلى عبد الملك بن مروان يشكو إليه الحجاج. فكتب عبد الملك إلى الحجاج أن يترضاه (1). وروى ابن سعد: كان أنس بن مالك من أحرص أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على المال (2).
وفقهاء السلطان وقفوا عند المقدمة، وعزلوا غزلهم، ونسجوا نسيجهم، ولم ينظروا في الخاتمة، حيث كان أنس يبكي في آخر أيام حياته، وهو آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم