راية - صدق رسول الله أرض كرب وبلاء (1).
وشاء الله أن تحفر في ذاكرة المسلمين أحداث كربلاء، فالأحداث والأرض حزمة واحدة. داخل الذهنية الإسلامية، واسم كربلاء اسم مقصود له معنى، وللمعنى حكمة، ومن وراء الحكمة هدف. قال في لسان العرب: الكرب:
الحزن والغم، الذي يأخذ بالنفس. فإذا كان هذا وقودا لقاطرة، فإن هذه القاطرة ستدخل إلى دائرة البلاء، من مدخل الأمان. وقال في المجمع: البلاء على ثلاثة أوجه: نعمة، واختبار، ومكروه. قال تعالى: (لتبلون في أموالكم وفي أنفسكم) يريد توطين النفس على الصبر. وقال تعالى: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات). أي اختبره، بما تعبده به من السنن. (فأتمهن) أي عمل بهن، ولم يدع منهن شيئا. والبلاء يكون حسنا وسيئا، وأصله المحنة. والله يبلوا العبد، بما يحبه ليمتحن شكره، وبما يكرهه ليمتحن صبره. قال تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة). وقال: (يوم تبلى السرائر)، أي تختبر السرائر في القلوب، من العقائد والنيات وغيرها. وما أسر وأخفى من الأعمال. فيتميز منها ما طاب وما خبث. وقال (ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، أي ليعاملكم، معاملة المختبرين لكم، وإلا فعالم الغيب والشهادة، لا يخفى عليه شئ، وإنما يبلوا ويختبر من تخفى عليه العواقب. وقوله: (أيكم أحسن عملا) ليس يعني أكثركم عملا، ولكن أصوبكم عملا. وإنما الإصابة خشية الله والنية الصادقة. وسنة البلاء لا يستثنى فيها المؤمن والكافر، والمحسن والمسئ. وفي الحديث القدسي: " إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك قومك، من يتبعك، ومن يتخلف عنك، ومن ينافق معك.
وهكذا تكون دائرة الكرب، مدخلا إلى دائرة البلاء. وهكذا كان للحدث كله حكمة من ورائها هدف. لقد أراد الحسين، أن يقف في وجه أعدائه، آخذا بكل سبب من الأسباب. ولكن الله قضى أن تقطع الأسباب، وأن يقع على أرض كربلاء. وروي أنهم تركوه نهارا طويلا وهو ينوء ويكبو، ثم التفوا حوله بعد أن