فعمل هو الآخر على تجديد المذهب الحنبلي بما أخذه من فتاوى ابن تيمية، وأصبح أحمد بن حنبل في خبر كان إذ أن المذهب عندهم اليوم يسمى المذهب الوهابي.
ومما لا شك فيه أن انتشار تلك المذاهب وشهرتها وعلو شأنها كان بتأييد ومباركة الحكام.
ومما لا شك فيه أيضا بأن أولئك الحكام كلهم بدون استثناء كانوا يعادون الأئمة من أهل البيت لشعورهم الدائم بأن هؤلاء يهددون كيانهم وزوال ملكهم، فكانوا يعملون دائما على عزلهم عن الأمة وتصغير شأنهم وقتل من يتشيع لهم.
فبديهي أن ينصب أولئك الحكام بعض العلماء المتزلفين إليهم والذين يفتونهم بما يتلاءم مع حكمهم ووجودهم، وذلك لحاجة الناس المستمرة لوجود الحلول في المسائل الشرعية.
ولما كان الحكام في كل العصور لا يعرفون من الشريعة شيئا ولا يفهمون الفقه، فكان لا بد أن ينصبوا عالما باسمهم يفتي، ويموهون على الناس بأن السياسة شئ والدين شئ آخر.
فكان الخليفة الحاكم هو رجل السياسة والفقيه رجل الدين كما يفعل ذلك اليوم رئيس الجمهورية في كل البلاد الإسلامية، فتراه يعين أحد العلماء المقربين يسميه مفتي الجمهورية أو أي عنوان آخر يعبر عن ذلك، ويكلفه بالنظر في مسائل الفتيا والعبادات والشعائر الدينية.
ولكنه في الحقيقة ليس لهذا الرجل أن يفتي أو يحكم إلا بما تمليه عليه السلطة وما يرضي الحاكم، أو على الأقل ما لا يتعارض وسياسة الحكومة وتنفيذ مشاريعها.
وهذا الظاهرة برزت في الحقيقة من عهد الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان، فهم وإن لم يفرقوا بين الدين والدولة إلا أنهم أعطوا أنفسهم حق التشريع بما يتماشى ومصالح الخلافة وضمان هيبتها واستمرارها.