ولما كان لهؤلاء الخلفاء الثلاثة حضور مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحة فقد أخذوا عنه بعض السنن التي لا تتعارض مع سياستهم.
فإن معاوية لم يدخل الإسلام إلا في السنة التاسعة للهجرة على أشهر الروايات الصحيحة، فلم يصحب النبي إلا قليلا ولم يعرف من سنته شيئا يذكر، فاضطر إلى تعيين أبي هريرة وعمرو بن العاص وبعض الصحابة الذين كلفهم بالإفتاء على ما يريده.
واتبع بنو أمية العباس بعده هذه السنة الحميدة أو هذه البدعة الحسنة، فكل حاكم جلس إلى جانبه قاضي القضاة المكلف بدوره بتعيين القضاة الذين يراهم صالحين للدولة ويعملون على دعمها وتأييدها.
وما عليك بعد ذلك إلا أن تعرف ماهية أولئك القضاة الذين يغضبون ربهم في إرضاء سيدهم وولي نعمتهم الذي نصبهم.
وتفهم بعد ذلك السر في أبعاد الأئمة المعصومين من العترة الطاهرة فلا تجد منهم أحدا وعلى مر العصور عينوه من قبلهم أو نصبوه قاضيا أو قلدوه وسام الإفتاء.
وإذا أردنا مزيد التحقيق حول كيفية انتشار المذاهب السنية الأربعة بواسطة الحكام، فلما أن يأخذ لذلك مثالا واحدا من خلال كشف الستار عن مذهب الإمام مالك الذي يعد من أكبر المذاهب وأعظمها قدرا وأوسعها فقها، فقد اشتهر مالك بالخصوص بالموطأ الذي كتبه بنفسه ويقال عند أهل السنة بأنه أصح الكتب بعد كتاب الله، وهناك بعض العلماء الذين يقدمونه ويفضلونه على صحيح البخاري.
كما أن شهرة مالك فاقت كل الحدود، حتى قيل: أيفتى ومالك في المدينة؟
ولقبوه بإمام دار الهجرة.
ولا يفوتا أن نذكر بأن مالكا أفتى بحرمة بيعة الإكراه فضربه جعفر بن سليمان والي المدينة سبعين سوطا.
وهذا ما يحتج به المالكية دائما على معاداة مالك للسلطة وهو غير صحيح