أسماعها وقلوبها كانت مغلقة دون الإمام، وبعد عشرات السنين صار الناس يتذاكرون بمثل هذه المناشدات صحيح أن فترة حكم الإمام كانت مشعلا مضيئا وسط ليل بهيم في هذه الناحية، وصحيح أيضا أن الإمام الحسن، والإمام الحسين، والإمام علي بن الحسين، والإمام محمد بن علي، ومن وإلى أهل بيت النبوة قد ساروا على نهج الإمام علي الهادف لتدوين سنة الرسول ونشرها، وتدوين العلوم قاطبة، وصحيح أيضا أنه كان هذا الجهد الدؤوب المتواصل آثاره، ولكن هذه الآثار كانت مقتصرة على الخواص أما العوام وهم الأكثرية الساحقة من الأمة، فلم يكن لهذا الجهد الدؤوب المخلص أثر يذكر عليهم!!!
لقد وضع عمر بن عبد العزيز حجر أساس التأثير على الأكثرية الساحقة من الأمة، واجتاز حاجز الخوف، وتبني وبكل رجولة قرارا حكوميا مخالفا بالكامل ومناقضا لسنة الخلفاء الراشدين!! ولم يتكتم على هذا القرار بل أعلنه، ودافع عنه، فظهر بصورة القرار المنطقي الصادر عن الدولة لغايات التنفيذ فاختلط الدفاع عن القرار بالدفاع عن هيبة الدولة، وهذا ما سهل على الخلفاء اللاحقين مهمة إكراه الأغلبية على قبوله بسطوة الدولة وقوتها ونفوذها لأن الأغلبية لا تفهم غير لغة الإكراه والتغلب، صحيح أن الأكثرية قد احتاجت لمدة ثلاثين سنة حتى تستوعب القرار، لكن آلية الدولة أكرهتها على الدخول من هذا الباب الذي فتحه عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فلولاه لبقي هذا الباب مغلقا مئات السنين، وربما إلى يومنا هذا، لأن سنة الخلفاء المتعلقة بهذا الأمر قد اختلطت بالدين والتاريخ والممارسة العملية، وتحولت إلى عادة استقرت في النفوس ولكنها ليست كأية عادة!! لقد صارت عبادة بالفعل.
صحيح أن قرار منع كتابة ورواية سنة الرسول، ومنع كتابة العلوم وتدوينها وكراهية الكتب، قرار ليس له سند حقيقي من العقل أو الشرع أو