الحميري وغيرهم، وجاء الأعلام من بعدهم فسلكوا بنفس المنهاج كأحمد بن حنبل وابن راهويه وغيرهما، كانوا يكتبون في هذه المسانيد حديث رسول الله وحده أو الحديث المنسوب إلى رسول الله، سواء أصدر عن الرسول بالفعل أو لم يصدر عنه، فالعبرة بادعاء الراوي، أو بزعمه، ولم تكن هنالك طريقة واضحة المعالم لمعرفة ما قاله الرسول بالفعل وما تقوله الرواة عليه، وقد تفاقمت هذه المشكلة في ما بعد خاصة وأن أصحاب رسول الله كلهم كانوا قد ماتوا ولم يبق منهم على قيد الحياة صحابي واحد عندما أذنت دولة الخلافة بكتابة ورواية سنة رسول الله، بل والأعظم من ذلك أن أكثرية جيل التابعين كانوا قد ماتوا أيضا!! وزاد المشكلة تعقيدا ثقافة التاريخ المعادية لأهل بيت النبوة، لقد أشربت الخاصة والعامة هذه الثقافة، فأثمرت حساسية خاصة من أهل بيت النبوة ومن والاهم ولولا هذه الحساسية المستحكمة في نفوس الأغلبية الساحقة من الأمة، لكان بإمكان أهل بيت النبوة أن يحلوا هذه المشكلة، لأن أئمة أهل بيت النبوة ورثوا علم النبوة كله، وسنة الرسول كلها مكتوبة ومبوبة ومحفوظة عندهم، لا زيادة فيها ولا نقصان وكان بإمكان الأئمة لو استشيروا أن يدلوا العلماء على سنة الرسول الصادرة عن الرسول بالفعل، وأن يدلوهم على ما تقوله الرواة على رسول الله، لكن أكثر علماء الحديث تجاهلوا بالفعل وجود أهل بيت النبوة، وتجاهلوا حديث الثقلين، ووكلوا أنفسهم إلى فهمهم واجتهادهم، فالبخاري وهو أول الرافعين لشعار صحة الحديث لم يرو عن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حديثا واحدا، مع أنه قد روى عن المجاهيل ومستوري الحال، ومن لا يصلحون خداما لحفيد النبي وعميد أهل بيت النبوة في زمانه!! أمام اختلاط الأحاديث الصحيحة " أو التي سموها صحيحة " بالأحاديث التي سموها غير صحيحة نشأت فكرة فرز الصحيح عن غير الصحيح، وجمع الأحاديث الصحيحة في كتب خاصة، سموها كتب الصحاح، وقد تمت عملية الفرز عندما ظهرت طبقة البخاري ومسلم.
(٣٧١)