لما نجحوا بعزل الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة، وبإذلالهم، وتجريدهم من حقوقهم المدنية والسياسية والمالية، قبضوا على السلطة بيد من حديد، وأخذوا يتصرفون فيها تصرف المالك بملكه صارت الخلافة كأنها شاة أو بعير أو ثوب للغالب، فله الحق أن يقلدها لمن يشاء، لقد عهد أبو بكر بالخلافة لعمر، وقال لعثمان الذي كتب له عهده: " لو كتبت اسمك لكنت أهلا لها " (1)!! ولما طعن عمر وقعد علي فراش الموت جائته رسالة من عائشة مفادها أن " استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فتساءل عمر ومن تأمرني أن استخلف؟ " (2) ألا ترى أن صلاحياته باختيار ولي عهده صلاحيات مطلقة، وأنه يمكنه أن يتصرف بمنصب الخلافة تصرف المالك للشئ بملكه الخاص، فلو أمرته أم المؤمنين أن يستخلف أي شخص لفعل لسبب ظاهري بسيط هو أنه وأم المؤمنين يكرهان أن تبقى أمة محمد هملا، ورأفة بهذه الأمة!!!!!
ويتوجه عمر وهو على فراش الموت، ويبحث عن صاحب الحظ السعيد الذي سيقوم مقامه، ويلتزم بسياسة ذلك النفر، فيقول: " لو كان أبو عبيدة حيا لوليته واستخلفته، ولو أدركت معاذ بن جبل لوليته واستخلفته، ولو أدركت خالد بن وليد لوليته واستخلفته، ولو رأيت سالم مولى أبي حذيفة لوليته واستخلفته " (3).
يمكنه أن يعطي الخلافة لمهاجر كأبي عبيدة، أو لواحد من الطبقة الحادية عشر من طبقات الصحابة، كخالد بن الوليد، أو لا حد الموالي كسالم مولى أبي حذيفة الذي لا يعرف له نسب في العرب!!