بدر يوم بلغ الرسول أن قريشا قد أقبلت حيث استشار الرسول أصحابه فوقف عمر وقال: (إنها والله قريش وعزها، ما ذلت منذ عزت والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبدا ولتقاتلنك، فاتهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته..) (1) فالرجل يثبط همة الرسول، ويمتدح خصمه أمام الأنصار، لقد أدرك بعض أولياء دولة الخلافة خطورة ما قاله عمر! فقال ابن هشام في سيرته: (فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن.. ثم قام المقداد...) (2) فكتما ما قاله عمر وأبو بكر خشية أن يكتشف المسلمون ما قالاه فتهتز مكانتهما المقدسة! وما يعنينا في هذا المقام أن عمر وأمثاله كانوا من الكارهين لرئاسة آل محمد ومن المعارضين لجمعهم النبوة والخلافة معا، ومن المتعصبين لقريش ولزعامتها الجاهلية، ولم يكن عمر الوحيد الذي يحمل هذه القناعات، فقد شاركه في حملها الكثير من المهاجرين، لكن عمر لعب دور المنسق والمنظر والقوة المحركة لأنه لم يصدف أن قتل عمر أو أسر أو سلب أحدا من المشركين، ولأن عمر كان يمدح قريشا وزعامتها، ولأن مشاكساته ومزاوداته على الرسول قد انتشرت، فأحبه المشركون وأحبه المنافقون، لأنهم قد تصوروا أنه عدو لرسول الله بل وقد أحبه اليهود لأنه كان يتردد عليهم ويحضر دروسهم. قال عمر بن الخطاب نفسه: إني كنت أغشى اليهود يوم دراستهم فقالوا لي: (ما من أصحابك أحد أكرم علينا منك لأنك تأتينا...) (3) وفي أسباب النزول للسيوطي قال: (إن عمر كان يأتي اليهود فيسمع منهم التوراة...) (4). ثم إن عمر بن الخطاب كانت له علاقة وطيدة مع المرتزقة من الأعراب، روى
(١١٣)