والسبعمائة) (1). فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن قسما كبيرا من هذا الرقم كانوا من المنافقين أدركت حجم الفارق العددي الهائل بين الأقلية المسلمة، والأكثرية الساحقة المشركة، صحيح أن الأكثرية المشركة كانت تتكون من كيانات متعددة، ولكنها كانت تتصرف كفريق واحد، وكانت لها القدرة على تكوين جبهة واحدة عند الضرورة، وغزوة الخندق أو الأحزاب دليل قاطع على ذلك، فقد شكل العرب واليهود جيشا موحدا ضد الرسول، وزحف ذلك الجيش بالفعل إلى المدينة ليجتث الإسلام من جذوره.
فالهدف المحدد من وحدة الأكثرية المشركة ينصب بالدرجة الأولى والأخيرة على القضاء على النبي والأقلية المؤمنة التي اتبعته، وكان الصراع بين الأكثرية والأقلية يدوم، حتى يتم القضاء على النبي والأقلية التي اتبعته، أو حتى تتظاهر هذه الأقلية المؤمنة بأنها قد رجعت إلى دين الأكثرية، أو تتقي فتكتم إيمانها، أو حتى تتدخل العناية الإلهية لصالح الأقلية المؤمنة فتبطش بالأكثرية الفاسدة بطشة كبرى كما بطشت بفرعون وقومه، أو قوم نوح، أو قوم هود.. الخ عندئذ يحسم الصراع وينتهي إلى حين، ولم يكن ورادا بكل المقاييس العلمية والموضوعية بأن تتمكن الأقلية من حسم الصراع لصالحها بوسائلها الذاتية الخاصة لأنه لا يوجد تكافؤ بين الأكثرية والأقلية، ولا توازن فكفة القوة راجحة بالكامل لصالح الأكثرية، هذه هي انعكاسات القانون الذي حكم الصراع بين النبي أي نبي والأقلية التي اتبعته من جهة وبين الأكثرية الساحقة من أبناء مجتمع ذلك النبي. ولم يكن النبي محمد بدعا من الرسل، فما جرى على الأنبياء الذين سبقوه جرى معه، وكان من المفترض أن ينتهي الصراع بين الأقلية المؤمنة التي اتبعت النبي محمدا وبين الأكثرية المشركة التي وقفت ضده بنهاية تشبه إحدى نهايات الصراع التي تمت بين الأنبياء والسابقين ومجتمعاتهم.