وأعادوني إلى الفندق في موكب حافل في منتصف الثالثة، ثم همس شاب في أذني بإنجليزية ركيكة: هل تحب أن ترى أعياد البوذية هذا المساء؟ قلت:
نعم، وسألته ما أعياد البوذية التي يقصدها؟ فقال لي: إن أعيان البوذية تكاد تكون متصلة، ولكن أهمها هو ما يجري في هذا الموسم، أي موسم الفراغ، فراغ الزراع من العمل لأن الوقت وقت جفاف، وقد زرع الناس أرضهم في موسم الأمطار والعمل الآن بالمزارع قليل، وموسم فراغ عند الطلاب فقد بدأت إجازة الصيف، وفي هذا الموسم يدخل كثير من الناس أديار البوذية ومعابدها لقضاء ثلاثة شهور، وهي عبادة لا بد أن تحصل مرة على الأقل في العمر.
وفي الساعة الرابعة انطلقنا لنشهد هذه الأعياد، وكل مجموعة من القرى تشترك في موكب منها، وكنت أرى الموسيقى تدق في جميع الأرجاء والأغاني تنبعث من مكبرات الصوت في عدة نواح، ورأيت موكبا بهيجا يمشي في طريق عام فاندمجت فيه، كان الناس به يحملون مظلات كبيرة ملونة مزركشة أشبه في حجمها بمظلات الشاطئ، وكانت الموسيقى تصحب الركب، وعلى دقات الموسيقى كان يشترك عدد كبير من الرجال والنساء في رقصات دينية منتظمة، وبينما يسير الموكب في الطريق العام يخرج له من هذه الناحية ومن تلك جماعات أخرى بمظلاتها وموسيقاها وراقصيها فتنضم لهذا الموكب العام وتسير معه، وكانت لحظات الالتقاء بين الموكب العام والمواكب الفرعية بديعة للغاية، فالموسيقى تقرب دقاتها حتى تتلاقى، ووفود الراقصين والراقصات من الجانبين يداعب بعضهم بعضا في نشوة ظاهرة.
وسرت مع الركب حتى غايته بعد أن كبر جدا من كثرة ما تلقى من الجماعات المنضمة إليه من كل جانب، وهناك في النهاية كانت وفود أخرى محتشدة وموسيقى تملأ الأصقاع وراقصون وراقصات يستقبلون الموكب الحافل، ثم هدأت