الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ١٦
كانت عليه في الماضي رهن مصالح تفوق طاقتها وعرضة لتأثير خبيث مستمر يأتيها من آراء غريبة وثنية تعارض معارضة تزداد حدتها يوما بعد يوم التقاليد الموروثة عن الأجداد والتي كانوا يبذلون جهدهم في الحفاظ عليها مهما كلف الأمر. وقد تطورت على مر الأيام المجابهة بين اليهودية والعالم المحدق بها وازدادت عنفا.
فقد دخلت فلسطين منذ وفاة الإسكندر الكبير السنة 323 في حكم الملوك الهلنستيين، فاختلف موقفهم من اليهود اختلافا كبيرا، فمنهم من أظهر تسامحا كبيرا ومنهم من حاول بأعنف الوسائل دمج اليهود بالوثنيين. وظل اسم انطيوخس الرابع ابيفانيوس (175 - 164) مقترنا بأقسى تلك المحاولات للقضاء بالقوة على ما لليهود من نمط عيش خاص بهم وحملهم على اعتناق المدنية اليونانية.
وكانت ذروة ذلك العنف تحويل هيكل أورشليم إلى عبادة جوبيتر الأولمبي، فكانت نتيجة هذه الأحداث، التي رويت في سفري المكابيين، إن اليهود الأتقياء (حسيديم) اضطروا في جملتهم إما إلى المقاومة السلبية وإما إلى التمرد، فأدت الثورة المسلحة، وكان قادتها الإخوة المكابيون، إلى استعادة قدر من الاستقلال السياسي والديني استمر نحو قرن. فإن سلالة الحشمونيين التي ينسب اسمها إلى أحد أجداد يهوذا المكابي، حكمت فلسطين إلى أن فرض عليها النظام الروماني، فقد دخل بومبيوس لحسم الخلافات الداخلية التي كانت تفرق بين الحشمونيين، فاستولى على أورشليم السنة 63 ق. م. سادت سلالة هيرودس في أوائل الحقبة الرومانية لتاريخ فلسطين. ملك هيرودس الكبير (متى 2 / 1) من السنة 40 إلى السنة 4 ق. م. مستعملا وسائل الارهاب أحيانا كثيرة، وقد أبغضه الشعب اليهودي بغضا لا هوادة فيه لأصله الأدومي، فلم يكن من سلالة داود، ولشراسته أيضا. ولما توفي اقتسم أولاده مملكته، فكان نصيب هيرودس أنطيباس الجليل (لو 3 / 1) والبيرية، فملك من السنة 4 ق. م.
إلى السنة 39 ب. م. عرف بقتله ليوحنا المعمدان (مر 6 / 17 - 29) وباشتراكه في محاكمة يسوع ولو قليلا (لو 23 / 6 - 16).
أما أرخلاوس (متى 2 / 22)، وكان نصيبه اليهودية والسامرة، وفيلبس، وكان نصيبه البلاد من شمال البيرية (لو 3 / 1)، فلا تعرف الأناجيل سوى اسمهما.
ولكن السلطة السياسية المسيطرة كانت في أيدي الرومانيين الحكام منهم أو الولاة. وقد ذكر العهد الجديد بضعة منهم: بنطيوس بيلاطس وهو خامسهم. تصرف في منصبه بعنف منذ السنة 27 إلى السنة 37، وفيلكس وكان قاسيا فاسقا (إذا كان لنا أن نصدق تاقيطس). تولى منصبه منذ السنة 52 إلى السنة 60 وتسبب إلى حد بعيد في اندلاع الحرب الأهلية في البلاد التي كان يليها، ولديه مثل بولس في قيصرية (رسل 23 / 23 - 24 و 26) وخلفه فسطس (رسل 25 - 26) وفي حضرته رفع بولس دعواه إلى قيصر (رسل 15 / 11 - 12).
انقطع عهد الحكام بعودة سلالة هيرودس إلى الحكم مدة قصيرة، فملك أغريبا الأول، حفيد هيرودس الكبير، وقد عرف، على ما جاء في العهد الجديد، بأنه كان أول مضطهدي الكنيسة الناشئة (رسل 12 / 1 - 23) ولم يشهد هذا الفصل من الزمن (39 - 44) تحسنا في أحوال فلسطين، فقد تفاقمت الاضطرابات السياسية في عهد الحكام الآخرين وتحولت إلى ثورة حقيقية وآل قمع
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة