الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٢٠
كل سنة سلطتها ترسيخا أمتن بمحو جميع الفوارق وبرد غزوات البرابرة (الجرمانيين والفرتيين..).
ولما كانت الأمبراطورية حصيلة فتوحات كثيرة، فقد ضمت بلادا مختلفة النظام: مصر وهي ملك خاص بالإمبراطور ينتدب إليها حاكما هو نائب للملك. والمحميات وهي ممالك قديمة احتفظت بهيئاتها التقليدية، والأقاليم. ولا بد من التمييز بين الأقاليم المنوطة بمجلس الشيوخ (آسية وهي آسية الصغرى) والأقاليم التي ظلت الجيوش الرومانية معسكرة فيها وحيث يضطلع بالسلطة الحكام وهم مسؤولون لدى الإمبراطور وحده (سورية) ويدير الولاة شؤون أقطار لها ميزات خاصة (اليهودية).
هذا النظام، نظام التسلط الذي لا يترك للأقطار سوى ظاهر الاستقلال الذاتي (المجالس الإقليمية)، يضمن لجميع الناس سلاما محدودا ولكنه حقيقي استفادت منه على الخصوص مدن آسية، بفضل التبادل التجاري الذي يزدهر عندما يسود النظام.
ثم إن المدن تتمتع بشئ من الحرية: فالذي يدير شؤونها مجلس كان جميع المواطنين أعضاء فيه، ويديرها خصوصا مجلس الأعيان، وللجمعيات المهنية نصيب كبير في الحياة المحلية. ويحق للمرء أن يكون ابن مدينته وأن ينعم فوق ذلك بالجنسية الرومانية، وقد تكون تلك الميزة وراثية (ذلك شأن بولس) أو يحصل عليها بالمال أو تمنح على سبيل المكافأة. والمواطن الروماني لا يتعرض للعقوبات الجسدية المعيبة (رسل 22 / 25 - 29) ويحق له رفع دعواه إلى قيصر (رسل 22 / 10). وأخذ الناس، قبل العهد المسيحي بقليل، ينظرون إلى الأباطرة نظرهم إلى كائنات إلهية، أبناء الله، بل آلهة. وهذا التطور، وقد أثرت فيه تأثيرا كبيرا معتقدات الشعوب الشرقية (مصر وفارس)، موافق لمنطق الأمور.
فلما كانت الأمبراطورية واحدة، لزم أن تظهر العبادة أساسها الواحد. فضل طيباريوس وقلوديوس وسبسيانس أن يشجعوا عبادة الإمبراطور بعد موته فحسب، في حين أن قليغولا ونيرون ودوميطيانس تركوا الناس يعبدونهم في أثناء حياتهم. والحقيقة أن رومة لم تفرض هذه الديانة، فلم يكن للإمبراطور سوى أن يترك الأمر لتحمس الأقاليم والمدن والجمعيات المهنية أو شكرها أو تملقها.
وذلك ما يوضح سبب ذلك الازدهار المدهش لتلك العبادة (فقد خصتها أفسس بعدة معابد) وكانت تتعايش تعايشا تاما مع أنواع أخرى من الدين. وكان كبار عظماء الكهنة يختارون من بين القضاة المحليين. وكان ذلك المنصب يكلف كثيرا من المال، ولكنه كان يضمن لصاحبه نفوذا سياسيا حقيقيا لشدة التشابك بين الدين والإدارة. وقد سببت تلك الحالة للمسيحيين الأولين مشكلة عسيرة: كيف يمكنهم أن يظلوا مواطنين صالحين من غير أن يقبلوا أن يساقوا إلى عبادة الإمبراطور. فإن عدة أقوال وردت عند بولس الرسول تصبح واضحة إذا قرئت بالنظر إلى ذلك، فقد كانت المسألة لا تقل عن نبذ نظرية تشمل العالم كله. في فصول الرؤيا كلام كثير على هذه المسألة الحامية الوطيس. وأول ما تتعلق به الجماهير الشعبية هو ما يعبد به الآلهة المألوفة التي تحميهم، وهي قريبة جدا من الهموم اليومية.
غير أن العبادات الوطنية وعبادة الإمبراطور هي التي تظهر على أحسن وجه ما يمتاز به دين ذلك الوقت: فالدين نافذ إلى أعماق الحياة اليومية، فضلا عن أنه الدين الرسمي. فإن مراحل حياة الإنسان، حياته الفردية وحياته عضوا في أي مجتمع كان (الأسرة أو العشيرة أو الجمعية الحرفية أو المدنية)، تتأثر بالدين تأثرا عميقا. فكل منصب رسمي يلزم صاحبه بالاشتراك الفعال في العبادة.
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 23 25 26 27 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة