الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ١٣
تتناول معنى فقرات برمتها.
واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير. فإن نص العهد الجديد قد نسخ ثم نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء التي تحول دون تتصف أية نسخة كانت، مهما بذل فيها من الجهد، بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه. يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحيانا، عن حسن نية، أن يصوبوا ما جاء في مثالهم وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي. وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أن تكون كلها خطأ. ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحيانا كثيرة إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت عليه التلاوة بصوت عال.
ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مر القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلا بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات.
والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة لكي يقيم نصا يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول، ولا يرجى في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه. وأول عمل في علم نقد النصوص هو النظر في جميع نسخ النص. فيجب بعبارة أخرى أن تحصى وترتب جميع الوثائق التي يرد فيها نص العهد الجديد كله أو بعضه، ولا يقتصر الأمر على مراجعة الكتب المخطوطة باليونانية، بل تراجع جميع الكتب التي تحتوي ترجمة العهد الجديد التي استعملها المسيحيون في القرون الأولى (وهي اللاتينية والسريانية والقبطية) فقد اعتمد الناقلون في بعض الترجمات أصولا يونانية أقدم من المجلد الفاتيكاني أو السينائي، فهي تشهد على حالة للنص أقدم مما يمكن الوصول إليه بمراجعة أقدم الأصول اليونانية. فالترجمات القديمة، على قدر ما يمكن استنباط أصلها اليوناني استنباطا دقيقا، تساعد مساعدة مهمة على ضبط نص العهد الجديد.
يضاف إلى مراجعة الكتب المخطوطة باليونانية والترجمات القديمة أن علماء نقد النصوص يحاولون الاستفادة مما في مؤلفات آباء الكنيسة من شواهد كثيرة جدا أخذت من العهد الجديد. والفائدة الأكيدة التي تجنى من هذه الشواهد هي على الخصوص أنها تمكن العلماء في أحيان كثيرة من الرجوع إلى النص كما كان قبل أقدم الترجمات (وهكذا يرتقى أيضا إلى حالته قبل أقدم الكتب المخطوطة باليونانية)، ثم إن تحديد تاريخ هذه الشواهد وأصلها الجغرافي سهل المنال إلى حد ما. وهكذا يحصل العلماء على وسيلة هينة للاطلاع على نص العهد الجديد، كما كان يستعمل في وقت من الأوقات في هذا الجانب أو ذاك من الكنيسة. غير أن لهذه الشواهد محذورين. فالأمر لا يقتصر على أن كلا منها لا يورد إلا شيئا يسيرا من النص، بل كان الآباء، لسوء طالعنا، يستشهدون به في أغلب الأحيان عن ظهر قلبهم ومن غير أن يراعوا الدقة مراعاة كبيرة. فلا يمكننا، والحالة هذه، الوثوق التام في ما ينقلون إلينا. وإذا فرغ علماء نقد النصوص من إحصاء وتمحيص ذلك العدد الضخم من الوثائق التي تتألف منها الكتب المخطوطة باليونانية والترجمات القديمة وشواهد آباء الكنيسة، بذل هؤلاء العلماء
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة