الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ١٨
وكان في الوقت نفسه خصام يتفاقم يوما بعد يوم بين الكتبة وهؤلاء الممثلين للطبقة الكهنوتية.
وكان ذلك الخصام مظهرا من مظاهر الخلاف بين الهيكل والمجمع، أي بين الصدوقيين والفريسيين.
وكانت هاتان النزعتان الكبيرتان تؤلفان ما جرت العادة أن يقال له اليهودية الرسمية.
ورأى الصدوقيون سلطتهم عرضة لمنازعة شديدة منذ زمن يسوع. فقد كانوا محافظين وأنصارا لسيادة النظام في كل وجه من الوجوه، وإن كان ذلك النظام رومانيا، لأنه يضمن لهم جل دخلهم.
ولذلك كان الشعب يتهمهم اتهاما جديا بالتعاون، بل بالتواطؤ، مع حكومة الاحتلال الوثنية. ومهما يكن من أمر، فقد فقدوا كل نفوذ عند الشعب، وكان الشعب يفضل عليهم خصومهم الفريسيين وقد رأى فيهم مواطنين مخلصين للرب والشريعة، سليلي الحسيديم المشهورين الذين اشتركوا في الثورة على انطيوخس ابيفانيوس في أيام المكابيين. وأدى خراب الهيكل السنة 70 إلى خراب الصدوقيين، وكان مصيرهم مرتبطا به ارتباطا تاما. وقد مثلت منذ ذلك الوقت النزعة الفريسية وحدها اليهودية الرسمية. وكان في زمن يسوع، على هامش هذين " الحزبين "، عدة شيع لبعضها فائدة كبيرة لمعرفة البيئة التي نشأت فيها المسيحية.
وليس لدينا عن شيعة الغيورين سوى أخبار جزئية يعسر تفسيرها. يبدو أنها كانت جناحا متطرفا لحزب الفريسيين، وكان أعضاؤها مصممين على فرض مراعاة أحكام الشريعة بجميع الوسائل حتى بالقوة منها. وقد وصفوا أحيانا بقطاع طرق رعاع، في حين أنهم كانوا في حقيقتهم من المتعصبين الدينيين الذين يعارضون معارضة مطلقة رأي سلطة لا تصدر من الشريعة نفسها. لذلك لم يكونوا يترددون في أن يعاقبوا بالموت كل من كان مذنبا في نظرهم بمخالفات كبيرة للشريعة، ولا سيما الذين كانوا يعاونون حكومة الاحتلال الوثنية. وربما كان بعض تلاميذ يسوع، بل بولس نفسه، قبل أن يصيروا مسيحيين، على صلة بشيعة الغيورين. وكان هناك الاسينيون وكانوا في هامش الحزبين المذكورين على قدر أبعد من الغيورين. وقد تحسنت معرفتنا للاسينيين منذ اكتشاف الكتب المخطوطة في قمران على البحر الميت. وكان أكثرهم من الرهبان ولكن كان بعضهم يقيمون في خارج دير قمران المركزي ويؤثرون تأثيرا كبيرا في سكان فلسطين.
كان الاسينيون أعداء الدة للسلطات اليهودية القائمة، ولا سيما لعظيم الكهنة. كانوا يهود متشددين جدا، ومع ذلك فقد تقبلوا كثير من الأفكار الأجنبية وكيفوها وفقا لمذهبهم اللاهوتي. ولا شك أنهم تأثروا بمبادئ إيرانية فأنشأوا عقيدة ثنائية صريحة جدا، مبنية على التناقض التام بين روحين أو قوتين إحداهما للخير والأخرى للشر، تتحاربان في معركة لا رحمة فيها حتى اليوم الأخير وفيه يشاهد النصر النهائي يحرزه أمير النور على ملاك الظلام.
لا ذكر للأسينيين في العهد الجديد، وليس فيه ما يدل على تأثير مباشر لعقيدة الأسينيين في المسيحية. غير أن أناسا مثل يوحنا المعمدان ويسوع والتلاميذ الأولون عاشوا، وهم إلى بيئة " الشيع " اليهودية في القرن الأول أقرب منهم إلى بيئة اليهودية الرسمية. وكانت هذه البيئات كلها، على قدر ما يتيسر لنا الاطلاع على الأمر، تميل إلى آراء الأسينيين على درجات متفاوتة. فليس من المستحيل أن تكون المسيحية في أول نشأتها قد أفسحت قليلا في المجال لتلك الآراء وأنه ساد الجماعة المسيحية في
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 23 25 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة