الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ١٤
جهدهم في ترتيبها ليتيسر لهم استعمالها على أحسن وجه، فيرجعوا إلى أبعد ما يمكنهم في طلبهم للأصل الأول.
وأدى البحث الدقيق، والحالة هذه، بأهل الاختصاص إلى اكتشاف هذا الأمر، وهو أن ذلك العدد الكبير من الوثائق المعروفة تنقسم إلى عدد محدود من الفئات الكبرى. وهكذا استطاعوا أن يقيموا ثلاث فصائل كبرى أو أربعا من الأصول يبدو جميع ممثليها نسخا لمثال واحد.
وبوسع علماء النقد، على أثر هذا العمل الذي لم يكتمل إلى اليوم ولكنه بلغ مبلغا عظيما، أن يعتمدوا اعتمادا حسنا، لا على عدد ضخم من الوثائق بمفردها، بل على فئات من الأصول يظهر في كل منها مثال للنص يمكن تحديد تاريخه ومكانه بكثير أو قليل من اليقين.
وأهم الأمثلة التي أبرزها علماء النقد هي:
- نص يقال له " الأنطاكي " أو " السوري " بالنظر إلى أصله الذي ينسب على العموم إلى أنطاكية في نحو السنة 300. فقد ورد في معظم الكتب المخطوطة باليونانية ولا سيما أحدثها، لأنه ما لبث أن أصبح أكثر النصوص استعمالا في العالم البيزنطي، ولذلك يقال له أيضا " البيزنطي " أو النسخة الشائعة. ويظهر فيه اهتمام خاص بالأناقة والوضوح ويميل إلى التوفيق بين فقرات فيها الكثير أو القليل من التشابه ويدمج الروايات المختلفة في فقرة واحدة. قيمته ضعيفة من جهة النقد ومع ذلك فإن الطبعات الأولى للعهد الجديدة اعتمدت نسخا متأخرة لهذا النص، فشاع مدة تزيد على ثلاثة قرون وعرف بالنص المتداول، أي النص الذي يتداوله جميع الناس.
- نص يقال له " الإسكندري " أو " المصري "، فكل شئ يدل على أنه ينسب إلى مصر، بل إلى الإسكندرية نفسها. وأهم مثال له المجلد الفاتيكاني، ودونه أهمية السينائي. وجد نحو السنة 300 على أقل تقدير، واكتشف في عهد قريب عدة أشياء توحي بأن وجوده يعود إلى قبل ذلك الوقت بمدة طويلة، وعلى الخصوص نص الأناجيل الأربعة.. يكاد يجمع أهل الاختصاص كلهم على أن لهذا النص قيمة عظيمة من جهة الدقة.. وتعتمد طبعات العهد الجديد منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر هذا المثال للنص وهي محقة في ذلك وإن كان لا يحسن عده خاليا من الشوائب.
- نص يقال له " الغربي ". لقد اتضح أن هذه التسمية التي ترجع إلى القرن الثامن عشر هي تسمية غير صحيحة. فإن الترجمات اللاتينية القديمة للعهد الجديد وبعض الكتب المخطوطة باليونانية واللاتينية كمجلد بيزا (من القرن الرابع؟)، في ما يعود إلى الأناجيل وأعمال الرسل، تدل على أن هذا المثال من النص قد انتشر انتشارا واسعا في الغرب، ولكن أصبح من الواضح اليوم أنه وجد في الشرق أيضا كما تشهد بذلك بعض الترجمات الشرقية وكثير من الشواهد وبعض الأجزاء للكتب التي خطت باليونانية في عهد بعيد. فإن هذا النص " الغربي " هو الصيغة الأقدم والأعم للعهد الجديد في كثير من الأمور. ويتميز بميله الشديد إلى الشرح والإيضاح والتفسير والتوفيق بين الروايات المختلفة، وهذه الأمور تبعده على العموم من الأصل الأول ولكن قراءاته القديمة، ولا سيما القصيرة منها، هي على العموم جديرة بأن تعد ذات قيمة.
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة