الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ١٧
الرومانيين الشديد السنة 70 إلى خراب أورشليم وهيكلها، ولما خرب الهيكل تعذر على اليهود إقامة شعائرهم الدينية. فقد منيت اليهودية في نظامها السياسي والديني والوطني بأسوأ كارثة أصابتها طوال تاريخها. ويبدو أن الجماعة المسيحية الصغيرة كانت، قبل وقوع هذه الحوادث المشؤومة، قد هربت من أورشليم ولجأت إلى بلا في منطقة المدن العشر.
ولم يكن تاريخ اليهودية بعد السنة 70 سوى تاريخ ملايين من اليهود كانوا منذ عدة قرون قد تفرقوا في حوض البحر الأبيض المتوسط كله وفي بلاد الجزيرة بين النهرين وفي بلاد الفرس نفسها، تباعا لجميع العواصف التي ضربت الشرق الأوسط. وكانت أكبر الجماعات في هذا الشتات تقيم في الإسكندرية وأنطاكية ورومة. وكان اليهود يحظون فيها بنظام للأحوال الشخصية يجيز لهم الحفاظ على إدارة دينية ومدنية مبنية على شريعة موسى. وإن تيارا من العداء للسامية غير ظاهر ساعد على عزل تلك الجماعات عن بيئتها في المجتمع، ولكنه لم يطغ طغيانا عنيفا مقصودا إلا نادرا. وكان المجمع مركز الحياة الدينية والثقافية عند اليهود، فقد كان في الوقت نفسه مدرسة وناديا ثقافيا ومكان العبادة.
وكانت العبادة تقتصر في جوهرها على الصلاة وتلاوة التوراة وتفسيرها.
وكانت اليهودية في أيام يسوع عبارة عن نظام اجتماعي ديني متجانس مبني على الإيمان بالرب القدير الأحد ومراعاة قاعدة مطلقة هي التوراة أي الشريعة. فكان بوسع الفكر اليهودي أن ينطلق من هذين العنصرين الأساسيين فيجول بكثير من الحرية وهو ينعم بتسامح كبير من لدن السلطات الدينية على الخصوص.
وكانت أحداث الحياة اليهودية تجري كلها في ضوء إلهي يأتيها من الشريعة. فهذه الشريعة كاملة لأنها من أصل إلهي، ولكن لا بد من شرحها وتفسيرها ليسري حكمها على المسائل العملية والفردية.
وقد استمر ذلك الجهد في الشرح مدة قرون كثيرة فآل إلى إنشاء توراة شفهية تحيط بالتوراة المكتوبة وتتألف مما سمي سنة الأقدمين وقيل إنه يرتقي إلى موسى بشهادات متواترة من الربانيين. إن العهد الجديد يطلق اسم الكتبة على أولئك المثقفين الذين يفسرون التوراة. وكان لهم زمن يسوع سلطة كبيرة عند الشعب، ولا سيما عند الطبقات الوسط، كانوا يعملون عمل معلمي اللاهوت والفقهاء في المجتمع، فكان لهم شأن كبير في حياة اليهود. وأخذ الربانيون منذ القرن الميلادي الثالث يدونون سنة الكتبة كلها بعد ما ظلت إلى ذلك الحين شفهية. فآل العمل الضخم إلى تكوين المشنة (تكرار الشريعة، تفسير) التي دخلت هي بنفسها في تأليف التلمود (التعليم). وهناك أمر لا يقبل الجدل وهو أن القطب الآخر لحياة اليهود كان في القرن الأول هيكل أورشليم وعليه كانت تنصب مشاعر الشعب كلها، الدينية منها والوطنية، فقد كانوا ينظرون إليه نظرهم إلى مركز العالم فيه سيتجلى الله في اليوم الأخير. وكان البالغون من ذكور اليهود يلزمون أنفسهم، إن لم نقل يلذ لهم، أن يؤدوا في الوقت المحدد ضريبة الدرهمين لسد حاجات الهيكل. وكان يقوم بشعائر العبادة والطقوس كهنة ينتخبون من سليلي أسرة هارون وكان يعاونهم اللاويون في أعمالهم. فقد كانت هناك طبقة كهنوتية تدور في فلك هيكل أورشليم، وكان لها نظام تسلسل محكم تحت سلطة عظيم الكهنة العليا، وكان يرئس مجلس اليهود وهو جمعية مؤلفة من سبعين عضوا ما بين كهنة وعلمانيين، إليهم يعود الحكم في الشؤون المدنية والدينية.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 23 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة