الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ١٩
أورشليم تفكير وسلوك مطبوعان بما عند الأسينيين من تفكير وسلوك، ولو مدة من الزمن.
لا شك أن الأسينيين اشتركوا اشتراكا فعالا في الثورة على الرومانيين. وقد زالوا عن التاريخ في عاصفة السنة 70. إن الأحداث التي أدت إلى خراب أورشليم تشهد على ما بلغه الغيظ عند الجماعات اليهودية التي عانت تعسف الحكام الرومانيين. كان الغيورون يستغلون استغلالا كبيرا ذلك الغيظ الذي كانت تغذيه أيضا جميع المعتقدات المستوحاة من الرؤى، وقد نمت نموا كبيرا في فلسطين منذ القرن الثاني قبل الميلاد. فقد ترسخ يوما بعد يوم في يقين اليهود أن الله لن يلبث أن يرد على تحدي وجود الوثنية في الأرض المقدسة فيعود إلى إقامة عدله ويعيد إلى مختاريه امتيازاتهم، إذ يبسط ملكوته على الأرض بسطا يبهر العيون، وهذا التدخل يجعل حدا للشدائد الحاضرة ويفتح عهدا جديدا خاليا من الشر والإثم، ويؤذن بقدوم ذلك العهد آخر الأمر تضاعف الكوارث والنكبات يرافقها ابتلاع جميع أعداء الله من غير رجعة. إن جملة هذه المعتقدات تؤلف آراء اليهودية المتأخرة في أمور الأزمنة الأخيرة. وكانت آراؤها في الخيرات التي يرجى الحصول عليها في الأزمنة الأخيرة أبعد من أن تكون مجموعة محكمة التماسك، بل كانت أقرب إلى فيض من الأفكار لا تخلو من الغموض ويعسر ضبطها.
ومع ذلك فما يمكن الوصول إلى معرفته هو أن هذه الآراء، لما اقترب العهد المسيحي، ازدادت تشددا على الأقل في بعض البيئات. فقد بلغت بلايا إسرائيل مبلغا لم يبق من المعقول أن يرجو الناس بعده ظهور مشيح بشري في التاريخ يستطيع أن يعيد ذات يوم إلى الشعب المختار كرامته. فكانوا ينتظرون من الله وحده تبديل الحالة، وكانوا يرون أن ذلك التحول الذي ينتظرونه بفروغ الصبر لن يحدث إلا لصالح انقلاب يشمل الكون كله إذ يظهر بغتة عالم جديد برمته. ففي ذلك المشهد لرؤيا الأزمنة الأخيرة ليس للمشيح نصيب كبير جدا في جميع الآراء. فإن مؤلفي الرؤى، عندما يتكلمون عليه، كفوا، على ما يبدو، عن أن يروه شأنهم في الماضي مشيحا دنيويا مسحه يهوه، وبعبارة أخرى ملكا من ذرية داود يقوم بأعمال سياسية وعسكرية في جوهرها، ليحقق بعون الله تحرير الشعب وازدهاره.
فهم يميلون بعد ذلك إلى إظهار المشيح بمظهر كائن من الملأ الأعلى أقرب إلى الله منه إلى البشر، ويطلق عليه في بضع رؤى اسم ابن الإنسان، ولكنه يظل في جوهره وجها سماويا ليس له صلة حقيقية بالناس وغير قابل للألم.
إن مجمل معتقدات أهل ذلك العصر في المشيح والأزمنة الأخيرة كانت من الأمور التي رجع إليها المسيحيون لما أرادوا تحديد ما يؤمنون به في كلامهم على المسيح. غير أن المسيحيين تنبهوا لنصيب الألم في مصير يسوع فاضطروا إلى أن يجعلوا معنى جديدا بأجمعه لأقوال معاصريهم في المشيح ورؤى الأزمنة الأخيرة.
[بعض النظرات إلى العالم اليوناني الروماني] كان العالم الروماني في أول العهد المسيحي الوريث الأول للإمبراطورية التي أنشأها الإسكندر الكبير. فقد بقيت، تحت طلاء روماني، الإدارة الإقليمية نفسها وأحوال الحياة نفسها عند الجماعات والأفراد، وبكلمة واحدة المدنية نفسها، وظلت اليونانية اللغة المشتركة. ونظرة إلى خريطة الأمبراطورية الرومانية تظهر سعتها أكثر مما يظهرها كل تعداد. فرحابتها رحابة عالم بأسره وهي ترسخ
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 23 25 26 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة