[مدخل إلى الرسالتين إلى أهل تسالونيقي] [تسالونيقي وإنشاء الكنيسة فيها] قدم بولس تسالونيقي، عاصمة إقليم مقدونية الروماني، السنة 50 في أثناء رحلته الرسولية الثانية. فكانت أول عاصمة دخلها في أوروبا. أنشئت هذه المدينة في القرن الرابع ق. م.، فعظم شأنها بسرعة، فقد جعلها موقعها في صدر خليج مرفأ أمينا. وكانت، لوجودها على الطريق الأغناطي الذي يصل بحر إيجه بالبحر الأدرياتي، معبرا ومنفذا طبيعيا لسهل خصب والنواحي الداخلية من تلك البلاد. وكان لها دور سياسي هام في أثناء الحكم المقدوني ومن بعده في الحكم الروماني، ولا سيما في أيام ثورة السنة 149 ق. م. وكان الهدف منها خلع النير الروماني الذي ازدادت وطأته شدة يوما بعد يوم. وصارت مقدونية، بعد ذلك بقليل، إقليما رومانيا. واختيرت تسالونيقي عاصمة له لأنها أكبر المدن بعدد سكانها. وفي السنة 42 ق. م. نالت نظام المدينة الحرة، وأقامت فيها الإدارة القيصرية نائب قنصل. فنمت المدينة ووسعت إنشاءات مرفأها، فأصبحت، يوم دخلها بولس، مدينة تجارية مزدهرة يعيش فيها كثير من الغرباء، وفيهم جالية يهودية هامة.
نعرف مما ورد في سفر أعمال الرسل أن بولس كان قادما من فيلبي يرافقه سيلا وطيموتاوس (17 / 1 - 10). ولربما لم يقم بولس في تسالونيقي وقتا طويلا بقدر ما يشار إليه في سفر أعمال الرسل (ثلاثة سبوت: رسل 17 / 2). فقد أتيح له من الوقت ما مكنه من العمل في صنعة (1 تس 2 / 9) وتلقي الاسعاف عدة مرات من أهل فيلبي (فل 4 / 16)، وأن يهدي إلى الإنجيل يهود ودخلاء وعلى الخصوص وثنيين (1 تس 1 / 9). ولكن عمله أوقف بخشونة لأن الجالية اليهودية تصدت له واضطرته إلى مغادرة المدينة على عجل. فقد أثار اليهود الاضطراب فاتهموا المبشرين بمخالفة أوامر قيصر، وجروا بعض المسيحيين إلى القضاة (رسل 17 / 5 - 6). فرحل الإخوة الذين في تسالونيقي المبشرين ليلا إلى بيريه، فجاء إليها يهود تسالونيقي وقاوموا مرة أخرى إعلان بولس للبشارة.
وهكذا ترك بولس جماعة وهي في أول نشأتها. فلا عجب أنه كان في قلق على هؤلاء المسيحيين الحديثي العهد بالإيمان، وقد تركوا لشأنهم في الاضطهاد. وندرك أيضا لماذا تكلم بلهجة عنيفة على اليهود في رسالته (1 تس 2 / 15 - 16).