قدمنا أنه لا وجه للتوقف في كون ذلك قربة، لأنه وسيلة إلى قربة، ولم يقترن به قصد صارف، ولا مانع من الحكم بالقربة عليه بالمعنى الثاني.
[مع] أن إطلاق قوله يقتضي أن الخصم وغيره إنما يستحبون الزيارة مطلقا من غير سفر، إذا ضم إليها قصد المسجد، وحينئذ لا تكون الزيارة وحدها قربة، سواء كانت عن سفر، أم عن غير سفر؟
وهو مخالف للأدلة الدالة على أن الزيارة قربة، وكأنه إنما أراد السفر للزيارة، وإنما أطلق العبارة، وأيا ما كان فهو باطل، لما قدمناه.
واعلم: أن هذا السؤال المبني على تقسيم السفر ضعيف، وكذلك السؤال المبني عليه الذي قدمته في الاستدلال بعمل السلف والخلف على السفر، وإنما ذكرتهما لأني وقفت على كلام بعض الفضلاء ذكرهما فيه، فاحتجت إلى جوابهما، والخصم الذي النزاع معه لعله لا يرتضيهما.
والعجب ممن أوردهما مع موافقته على أن السفر لمجرد الزيارة قربة.
فإن كان قال ذلك بغير دليل فهو باطل.
وإن كان قاله لأحد الدليلين المذكورين، فالقدح فيهما قدح فيه، فلا يمكنه الجزم به.
وإن كان قاله لدليل آخر فكان ينبغي أن يبينه حتى يظهر أنه يفترق الحال فيه بين الأسفار أو لا؟
بل العجب منه قوله بهذه الأمور، مع قوله: بأن كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة، وجاحده محكوم عليه بالكفر.
وقد بان بما ذكرناه: أن لزوم كون السفر لمجرد الزيارة قربة، لازم لكون الزيارة قربة، وأن اللزوم بينهما بين ليس بالخفي، والعلم بالملزوم مع التوقف في اللازم البين له مستحيل، فالقول بإثبات الملزوم مع التوقف في إثبات اللازم لا يجتمعان.