تذكر في زيارة الأحياء الذين من شاء زارهم، ومن شاء ترك، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف وأعلى من أن يسمى أنه يزار.
وهذا الجواب بينه وبين جواب القاضي بون في شيئين:
أحدهما: أنه يقتضي تأكد نسبة معنى الزيارة إلى القبر، وإن تجنب لفظها، وجواب القاضي يقتضي عدم نسبتها إلى القبر.
والثاني: أنه يقتضي التسوية في كراهية اللفظ بين قوله: (زرت القبر) وقوله:
(زرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وجواب القاضي يقتضي الفرق بينهما.
وقد قال أبو الوليد محمد بن رشيد في (البيان والتحصيل): قال مالك: أكره أن يقال: (الزيارة) لزيارة البيت الحرام، وأكره ما يقول الناس: (زرت النبي) وأعظم ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يزار.
قال محمد بن رشد: ما كره مالك هذا - والله أعلم - إلا من وجه أن كلمة أعلى من كلمة، فلما كانت الزيارة تستعمل في الموتى، وقد وقع فيها من الكراهة ما وقع، كره أن يذكر مثل هذه العبارة في النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما كره أن يقال: (أيا التشريق) واستحب أن يقال: (الأيام المعدودات) كما قال الله تعالى، وكما كره أن يقال:
(العتمة) ويقال: (العشاء الأخيرة) ونحو هذا.
وكذلك طواف الزيارة كأنه يستحب أن يسمى ب (الإفاضة) كما قال الله تعالى في كتابه * (فإذا أفضتم من عرفات) * فاستحب أن يشتق له الاسم من هذا.
وقيل: إنه كره لفظ (الزيارة) في الطواف بالبيت والمضي إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن المضي إلى قبره عليه السلام ليس ليصله بذلك، ولا لينفعه به، وكذلك الطواف بالبيت، وإنما يفعل تأدية لما يلزمه من فعله، ورغبته في الثواب على ذلك من عند الله عز وجل، وبالله التوفيق، انتهى كلام ابن رشد.
وقد وقع فيه كراهية مالك قول الناس: (زرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يرد ما قاله