وأما الدعوى الثانية، فقد ظهر وجهها مما عرفت من أن إسناد الفعل إليه تعالى إسناد إلى الفاعل المختار، وقد تقدم أن صدوره بإعمال القدرة والسلطنة، وبطبيعة الحال أن سلطنة الفاعل مهما تمت وكملت زاد استقلاله واستغناؤه عن الغير، وحيث إن سلطنة الباري عز وجل تامة من كافة الجهات والحيثيات ولا يتصور فيها النقص أبدا، فهو سلطان مطلق وفاعل ما يشاء، وهذا بخلاف سلطنة العبد، حيث إنها ناقصة بالذات فيستمدها في كل آن من الغير، فهو من هذه الناحية مضطر فلا اختيار ولا سلطنة له وإن كان له اختيار وسلطنة من ناحية أخرى، وهي ناحية إعمال قدرته وسلطنته، وأما سلطنته تعالى فهي تامة وبالذات من كلتا الناحيتين.. (1).
الثالثة:
من أقوى ما استدل به القائلون بالقدم هو:
إن المؤثر التام في العالم إما أن يكون أزليا أو حادثا.
فإن كان أزليا، لزم قدم العالم لأن عند وجود المؤثر التام يجب وجود الأثر معه لأنه لو تأخر عنه ثم وجد لم يخل إما أن يكون لتجدد أمر أو لا، والأول يستلزم كون ما فرضناه مؤثرا تاما ليس بتام، هذا خلف، والثاني يستلزم ترجيح أحد طرفي الممكن لا لمرجح لأن اختصاص وجود الأثر بالوقت الذي وجد فيه دون ما قبله وما بعده - مع حصول المؤثر التام - يكون ترجيحا من غير مرجح.