إذا تمهد هذا، فنقول:
إن ما نقل عن بعض الفلاسفة - من أن ذات الواجب تعالى إما أن تستجمع جميع شرائط التأثير في الأزل أو لا؟ وعلى الأول يلزم قدم الأثر بالضرورة، لامتناع التخلف عن الموجب التام، وعلى الثاني توقف وجود الأثر - وهو العالم - على شرط حادث.. وننقل الكلام إليه حتى يلزم التسلسل - ممنوع لوجوه:
الوجه الأول:
إنا نختار أنه تعالى مستجمع لجميع شرائط التأثير في الأزل من جهة القدرة والسلطنة التامة على الفعل والترك، ولكن نقول: إن الشبهة مبتنية على توهم كون الخالق تعالى زمانيا.
ولكن الحقيقة هي أن الزمان والزمانيات قبل خلق العالم معدومة مطلقا ومنفية صرفا، وإن القول بألفة الباري عز وجل بالزمان والمكان أوهام كاذبة مخترعة، وأن الله جل شأنه مقدس عن أمثال هذه الأمور ولا يبلغ عقل أي عاقل إلى كنه عظمته وجلاله، بل لا يمكن لنا تصور ذاته خارجا عن الزمان والمكان، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بالإقرار والتصديق العقلي فقط.
ولا يخفى أن الزمان والحركات وسلسلة الحوادث كلها متناهية في طرف الماضي، وأن جميع الممكنات تنتهي في جهة الماضي خارجا إلى عدم مطلق ولا شئ بحت لا امتداد فيه ولا تكمم ولا تدريج ولا قارية ولا سيلان، وأن قبل ابتداء الموجودات لم يكن شئ سوى الواحد القهار.
وإن عبارة " تنتهي الموجودات إلى عدم مطلق " وكذا عبارة " قبل ابتداء