ومن الواضح أن الشعور والالتفات لا يوجبان تفاوتا في واقع العلية وحقيقتها الموضوعية، فإذا كانت الأشياء متولدة من وجوده تعالى بنحو الحتم والوجوب، وتكون من مراتب وجوده تعالى النازلة بحيث يمتنع انفكاكها عنه، فإذن ما هو معنى قدرته تعالى وسلطنته التامة؟
على أن لازم هذا القول انتفاء وجوده تعالى بانتفاء شئ من هذه الأشياء في سلسلته الطولية لاستحالة انتفاء المعلول بدون انتفاء علة التامة.
وأما الثاني: فقد تقدم ما يدل من الكتاب والسنة على أن صدور الفعل منه تعالى بإرادته ومشيته.
ومن هنا يظهر أن ما ذكر من الضابط للفعل الاختياري - وهو أن يكون صدوره من الفاعل عن علم وشعور، وحيث إنه تعالى عالم بالنظام الأصلح فالصادر منه فعل اختياري - لا يرجع إلى محصل، بداهة أن علم العلة بالمعلول وشعورها به لا يوجب تفاوتا في واقع العلية وتأثيرها.
فإن العلة سواء أكانت شاعرة أم كانت غير شاعرة فتأثيرها في معلولها بنحو الحتم والوجوب، ومجرد الشعور والعلم بذلك لا يوجب التغيير في تأثيرها والأمر بيدها، وإلا لزم الخلف.
فما قيل: من أن الفرق بين الفاعل الموجب والفاعل المختار هو أن الأول غير شاعر وملتفت إلى فعله دون الثاني، فلأجل ذلك قالوا: إن ما صدر من الأول غير اختياري وما صدر من الثاني اختياري، لا واقع موضوعي له أصلا، لما عرفت من أن مجرد العلم والالتفات لا يوجبان التغيير في واقع العلية بعد فرض أن نسبة الفعل إلى كليهما على حد نسبة المعلول إلى العلة التامة.