الضرورة إلى النطق بما عهد ووجد في الشاهد، وإن لم يكن المراد حقيقة في المتعارف، ويجوز ذلك إذا كان مؤديا لحقيقة المعنى إلى النفس، كقولنا: قبل، وبعد، وكان، وثم.. فليس المعهود في الشاهد استعمال هذه الألفاظ إلا في الأوقات والمدد.
فإذا قلنا: إن الله تعالى كان قبل خلقه، ثم أوجد خلقه.. فليس هذا التقدم والتأخير مفيدا لأوقات ومدد، وقد يتقدم بعضها على بعض بأنفسها من غير أن يكون لها أوقات أخر.
وكذلك ما يطلق به اللفظ من قولنا: إن وجود الله قبل وجود خلقه..
فليس الوجود في الحقيقة معنى غير الموجود، وإنما هو اتساع في القول والمعنى مفهوم معقول (1).
الوجه الثاني:
لا ريب أن العلة تامة، ولا نقص ثمة ولا مانع لها من التأثير، كما أن إمكان وجود المعلول وتحققه في الأزل أيضا من الشرائط المعتبرة في وجوده.
والممكن - باعتبار ماهية إمكانيته - غير قابل للأزلية والقدم، وليس في ذاته اقتضاء الوجود ولا العدم، بل لابد له من أول وابتداء في الوجود، فالنقص من القابل - أي الممكن - لا من العلة، ولا من جهة تأثير الفاعل، فإن الله تعالى على كل شئ قدير، ولا ريب أن قابلية المحل أيضا من شرائط وجود المعلول، وماهية الممكن مما لا يقبل الوجود من غير ابتداء.. وهو المطلوب.