خامسا: إن المعنى الذي ذكروه - وهو استلزام وجود الخالق تعالى وجود العالم رشحا وفيضانا بالوجوب الأزلي - لا يكون كمالا للخالق جل وعلا، بل لا يمكن نسبة نقصان أقبح منه إليه تعالى بل الكمال اللائق بمقام قدسه تعالى هو انفراده ووحدانيته تعالى بالقدم والأزلية، فالأزلية من الكمالات الذاتية لله عز وجل كما ورد في الحديث: كان الله ولم يكن معه شئ.
دوافع التجاء الفلاسفة إلى تأويل الأحاديث إن الذي دعاهم إلى التوجيهات والتأويلات الباطلة في معنى الحدوث والقدم، والقول بالزمان الموهوم - الذي ذهب إليه بعض المتكلمين - والحدوث الدهري - الذي اختاره المحقق الداماد - والحدوث الطبعي - أي الثابت بالحركة الجوهرية الذي اختاره صاحب الأسفار - والحدوث الاسمي - الذي اصطلح عليه واختاره السبزواري - هو أمران:
أولهما: توهم لزوم انقطاع الفيض الأزلي عن الخالق جل وعلا.
ثانيهما: استحالة انفكاك العلة عن المعلول.
وقد مر الجواب عنهما وقلنا: إن الحق عدم لزوم المحذورين في الفاعل المختار الذي كانت فاعليته بالمشية والإرادة، ويكون بذاته المتعالية منزها عن الاتصاف بالزمان والمكان، والقبل والبعد، والتوليد والترشيح، والتطور والصدور والإصدار، والتجلي والظهور.. وأمثال هذه الصفات التي هي خاصة بالمخلوقات المحدودة المقدارية والمتجزية، فلهذا لابد من الالتزام بالحدوث بالمعنى الذي قد مر وهو إيجاد العالم بعد أن لم يكن بعدية حقيقية.