قال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة: كان مسلمة بن مروان واليا على أهل مكة، فبينا هو يخطب على المنبر إذ أقبل خالد ابن عبد الله القسري من الشام واليا عليها، فدخل المسجد، فلما قضى مسلمة خطبته صعد خالد المنبر، فلما ارتقى في الدرجة الثالثة تحت مسلمة أخرج طومارا ففضه ثم قرأه على الناس وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الملك ابن مروان أمير المؤمنين إلى أهل مكة: أما بعد، فإني وليت عليكم خالد بن عبد الله القسري، فاسمعوا له وأطيعوا، ولا يجعلن أحد على نفسه سبيلا، فإنما هو القتل لا غيره، وقد برئت الذمة من رجل آوى سعيد بن جبير. والسلام.
ثم التفت إليهم خالد فقال: والذي يحلف به ويحج إليه، لا أجده في دار أحد إلا قتلته، وهدمت داره ودار كل من جاوره، واستبحت حرمه، وقد أجلت لكم فيه ثلاثة أيام. ثم نزل.
ودعا مسلمة برواحله ولحق بالشام.
فأتى رجل إلى خالد وقال له: إن سعيد بن جبير بوادي كذا من أودية مكة مختفيا بمكان كذا. فأرسل خالد في طلبه، فأتاه الرسول، فلما نظر إليه قال: إني أمرت بأخذك، وأتيت لأذهب بك، وأعوذ بالله من ذلك، فالحق بأي بلد شئت، وأنا معك. فقال سعيد بن جبير: ألك ههنا أهل وولد؟ قال: نعم. قال: إنهم يؤخذون بعدك، وينالهم من المكروه مثل الذي كان ينالني. قال: فإني أكلهم إلى الله عز وجل. قال سعيد: لا يكون هذا. فأتى به إلى خالد، فشده وثاقا، ثم بعث به إلى الحجاج.
فقال رجل من أهل الشام: إن الحجاج قد أنذر به وأشعر به قبلك فما عرض له، فلو جعلته بينك وبين الله لكان أزكى من كل عمل يتقرب به إلى الله تعالى.
قال خالد - وظهره إلى الكعبة قد استند إليها - والله لو علمت أن عبد الملك لا يرضى عني إلا بنقض هذا البيت حجرا حجرا لنقضته في مرضاته ".