الله صلى الله عليه وسلم وإنه لا يجوز.
ولمالك أن يجيب عنه فيقول: هذه الأحاديث ما وصلت إلينا إلا برواية علماء المدينة، فهؤلاء إما أن يكونوا عدولا أو لا يكونوا.
فإن كانوا من العدول وجب أن يعتقد أنهم تركوا العمل بذلك الحديث لاطلاعهم على ضعف فيه، إما لأجل الضعف في الرواية أو لأجل أنه وجد ناسخ أو مخصص، وعلى جميع التقديرات فترك العمل به واجب. فإن قالوا: فلعلهم اعتقدوا في ذلك الحديث تأويلا خطأ، فلأجل ذلك التأويل الخطأ تركوا العمل به، وعلى هذا التقدير لا يلزم من تركهم العمل بالحديث حصول ضعف فيه. قلنا:
إن علماء المدينة الذين كانوا قبل مالك كانوا أقرب الناس إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشدهم مخالطة للصحابة، وأقواهم رغبة في الدين، وأبعدهم عن الميل إلى الباطل، فيبعد اتفاق جمهور علماء المدينة على تأويل فاسد.
وأما إن قلنا أن علماء المدينة ليسوا بعدول، لكان الطعن فيهم يوجب الطعن في الحديث. فثبت بهذا الطريق أن الدليل الذي ذكرناه يقتضي ترجيح عمل علماء المدينة على ظاهر خبر الواحد، وليس هذا قولا بأن إجماعهم حجة، بل هو قول بأن عملهم إذا كان على خلاف ظاهر الحديث أورث ذلك قدحا وضعفا في الحديث.
ومما يؤيد ما ذكرناه ما روى البيهقي في كتاب مناقب الشافعي رضي الله عنه بإسناده عن يونس بن عبد الأعلى قال: ناظرت الشافعي رضي الله عنه في شئ فقال: والله ما أقول لك إلا نصحا، إذا وجدت أهل المدينة على شئ فلا يدخلن، قلبك شك أنه الحق، وكل ما جال في صدرك وقوى كل القوة لكنك لم تجد له في المدينة أصلا وإن ضعف فلا تعبأ به ولا تلتفت إليه.
وأقول: هذا الكلام صريح في تقرير مذهب مالك رحمه الله تعالى.
وأما الاعتراض الثاني وهو أن مالكا رحمه الله إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره، وإذا لم يحتج إليه تركه، فهذا إن صح عن مالك أورث ذلك ضعفا في روايته وفي ديانته، ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز للشافعي أن يتمسك بروايات مالك رحمهما الله تعالى؟ وكيف يجوز أن يقول: إذا ذكر الأثر فمالك