وما اجتمع عليه السلف والخلف من غزارة علوم هذا العدد المبارك وخرقهم العوائد، وما اختصوا به من المزايا الباهرة من بين سائر الرجال الأبطال من هذه الفئة الفائقة على معاصريها في كل عصر، تيقن بأنهم الأولى بصدق أحاديث التمسك عليهم من غيرهم، وإن كانت فيها الإشارة إلى عدم انقطاع متأهل منهم للتمسك به إلى القيامة، كما أن الكتاب العزيز - وهو الثقل الآخر القرين بهم - كذلك قاله ابن حجر. وقال: ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض كما جاء به الحديث، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي. وقال: ثم أحق من يتمسك به منهم إمامهم وعالمهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ومن ثم قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: علي عترة رسول الله أي الذي حث على التمسك بهم، فخصه لما قلناه - انتهى كلامه.
ثم لما فرغنا من تخريج الحديث وما دل عليه، وما تعين فيه ممن هو المراد من أهل البيت، نظرنا في تعدد طرقه فوجدنا له طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا، وفحصنا أيضا عن أنه أين ورد، فوجدنا في بعض طرقه قال ذلك بحجة الوداع وبعرفة، وفي آخر أنه قال بغدير خم، وفي آخر أنه قال بالمدينة في مرضه صلى الله عليه وسلم وقد امتلأت الحجرة بأصحابه، وفي آخر أنه قال لما قام خطيبا بعد انصرافه من الطائف. فعلمنا أن لهذا الحديث شأنا عظيما، فإنه لم يذكر وروده أحد من الرواة إلا في مشهد معتنى به غاية الاعتناء.
ولكنا طلبنا لهذه الروايات المتضادة في الورود جمعا، فوجدنا قد سبق أهل الخبر بالهام الجمع فقال: ولا تنافي في ذلك، إذ لا مانع من أنه كرر عليهم ذلك في تلك المواطن كلها، اهتماما بشأن الكتاب العزيز والعترة الطاهرة، وفي رواية عند الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنه إن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم: " أخلفوني في أهل بيتي " إنتهى. فازداد بعد الجمع شأنا على شأن لترداده في هذه المشاهد بأجمعها - كما لا يخفى على من له