فازددنا منه أن كل إخباراته صلى الله عليه وسلم - وإن كان وحيا من الله سبحانه - لكن هذا وحي أظهره به وأسنده إلى الله سبحانه فقال: " أخبرني اللطيف الخبير "، وفيه من تأكد أخبار كونهم على الحق كالقرآن، وصونهم أبدا عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير. وفيه أن قوله صلى الله عليه وسلم: " إنهما لن يفترقا " ليس بدعاء مجرد - على بعد أن يكون مرادا - بل هو إخبار من الله سبحانه وتعالى، وإن قوله في بعض الروايات " إني سألت لهما ذلك " دعاء مجاب متحتم بإخبار اللطيف تعالى.
ومن تجلي لفاظ لطفه أن سرى روح القدس الحق في علومهم كسرايته في القرآن، أو سرى سر الاتحاد بين مداركهم وبين القرآن فنيطت به أشد نياط لن يتفرقا بسببه أبدا، وإلى ذلك التلويح باختيار اللطيف هاهنا من بين أسماء الله تعالى.
وعدم الافتراق هذا بينهما إنما هو في الحكم، فلا يحكمون بحكم لا يحكم به الكتاب، والسنة في هذا الحديث داخل في الكتاب على ما صرحوا به، فظاهر الحث بالتمسك بهم التمسك بأخذ الأحكام الإلهية منهم، دليله قرانهم في ذلك بكتاب الله والأخبار بترتب عدم الضلال عليه كما بالتمسك بالكتاب، فلا احتمال لأن يحمل التمسك بهم من حيث المودة والصلة بهم في هذا الحديث وكان ذلك ظاهر من هذا الحديث كما ذكرنا كالنص به.
ولكن مع هذا انتظرنا ما يدل على تصريح التمسك بهم في أخذ العلوم من حديث آخر، فيفسر هذا الحديث ويعينه في ظاهره، فإذا قد ورد في خبر قريش: " وتعلموا منهم فإنهم أعلم منكم "، فقلنا إذا ثبت هذا العموم في علماء قريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لا تشاركهم فيها بقيتهم.
ولما كان هذا بطريق دلالة النص انتظرنا نصا فيهم يدلنا على إمامتهم في العلم، فوجدنا قوله صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت " فعلمنا أنهم الحكماء العارفون العلماء الوارثون الذين وقع الحث