للزوم كونهما أولين وعدم ذكر الثاني رأسا، فحملنا قوله " أذكركم الله " على مبالغة التثليث فيه على التذكير بالتمسك بهم والردع عن عدم الاعتداد بأقوالهم وأحوالهم وفتياهم وعدم الأخذ بمذهبهم. وإن كان عطفا على " بكتاب الله " في قوله: " فتمسكوا بكتاب الله " - وهو القريب الظاهر من الوجه الأول - وفيهم كونه ثاني الأمرين من الأمر بالتمسك كالأول، كان التصريح بالتمسك بهم في حديث مسلم هذا كالتمسك بالقرآن.
وهذا كله في لفظ هذا الحديث بناءا على ظاهر الكلام، فانتظرنا لفظا في هذا الحديث يفسر حديث مسلم على ما فهمنا، فإذا الترمذي أخرج - وقال حسن غريب - أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
فنظرنا فإذا هو مصرح بالتمسك بهم، وبأن اتباعهم كاتباع القرآن على الحق الواضح، وبأن ذلك أمر متحتم من الله تعالى لهم، ولا يطرأ عليهم في ذلك ما يخالفه حتى الورود على الحوض، وإذا فيه حث بالتمسك بهما بعد حث على وجه أبلغ، وهو قوله: " فانظروا كيف تخلفوني فيهما " فقلنا حديث مسلم حديث صحيح ظاهر في معنى فسره على ذلك المعنى حديث حسن آخر، فثبت معناه نصا من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فآمنا به في نظائره من صحاح الأحاديث، والحمد لله رب العالمين.
ومع هذا لم نال جهدا في طلب الطرق الأخرى تزيد الصحة على الصحة ويؤيد بعضها بعضا، فوجدنا أخرج أحمد في مسنده ولفظه: إني أوشك أن أدعي فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما وسنده لا بأس به.