مسند أحمد، ذبا عن هذا التصنيف العظيم الذي تلقته الأمة بالقبول والتكريم، وجعله إمامهم حجة يرجع إليه ويعول عند الاختلاف عليه. ثم سرد الأحاديث التي جمعها العراقي وهي تسعة وأضاف إليها خمسة عشر حديثا أوردها ابن الجوزي في الموضوعات وهي فيه، وأجاب عنها حديثا حديثا.
قلت: وقد فاته أحاديث أخر أوردها ابن الجوزي وهي فيه، وجمعتها في جزء سميته الدليل [الذيل] الممهد مع الذب عنها، وعدتها أربعة وعشرون حديثا " 1.
ولا أظن - بعد الاستماع إلى هذه الكلمة القيمة - أن أحدا يقدم على جرح حديث الثقلين المروي في (المسند) لأحمد بن حنبل، فكيف بنسبة القدح إلى أحمد نفسه، أو يقيم وزنا لنقل البخاري الذي لا شك في بطلانه.
ولو توقف أحد في ذلك فإننا ننقل هنا كلاما لتقي الدين ابن الصلاح يرفع الشك ويقطع الألسن، وهذا نص كلامه الذي جاء في (علوم الحديث):
" ثم إن الغريب ينقسم إلى صحيح كالأفراد المخرجة في الصحيح، وإلى غير صحيح، وذلك هو الغالب على الغرائب، روينا عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال غير مرة: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها من الضعفاء ".
فمن منع من كتابة المناكير فضلا عن العمل بها، وحذر من نقلها فضلا عن الاستناد إليها، لا ينقل حديثا مع علمه بكونه منكرا، ولا يجوز أن يخرجه في (المسند) العظيم، وكتاب (مناقب أمير المؤمنين)، وإلا لتوجه إليه الذم والتأنيف واللوم والتوبيخ، وقد قال الله تعالى: * [يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون] * وقال:
* [أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون] *.