فخرج وقد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر، وقال (صلى الله عليه وآله): يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم، في تأميري أسامة بن زيد؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم الله، إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة.
وقد قالوا في أسامة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين والأنصار، وكان عمره ثمان عشرة سنة، وقيل تسع عشرة سنة (1).
وذكر الواقدي شيئا غامضا عن المخالفين لحملة أسامة فقال: وكان أشدهم قولا عياش بن أبي ربيعة القائل: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين (2).
وقال الشهرستاني: الخلاف الثاني في مرضه إنه قال: جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه. فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأسامة قد برز من المدينة. وقال قوم: قد اشتد مرض النبي عليه الصلاة والسلام، فلا تسع قلوبنا مفارقته والحالة هذه، فنصبر حتى نبصر أي شئ يكون من أمره (3).
إذا التخلف عن حملة أسامة كان يعتمد على عذرين: الأول: الشك في قيادة أسامة. والثاني: اشتداد مرض النبي (صلى الله عليه وآله)، وعدم قدرة العاصين على مفارقة الرسول (صلى الله عليه وآله)؟!
أما الشق الأول، فقد أجاب عنه الرسول (صلى الله عليه وآله)، بتركيزه على قوة وقابلية أسامة، وفعلا أثبت ذلك في حربه هناك.
وأما الشق الثاني، فقد انتفى وانحلت أركانه بلعن النبي (صلى الله عليه وآله) المتخلفين عن حملة أسامة، ولا يمكن أن يكون العاصي والملعون على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)