والدليل الثالث: إن عمر بن الخطاب استمر في معارضته لقيادة أسامة بن زيد تلك الحملة بعد تولي أبي بكر السلطة، بالرغم من الغضب النبوي الشديد، وتأكيده (صلى الله عليه وآله) على صلاحية أسامة للقيادة؟!
إذ قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: " إن الأنصار أمروني أن أبلغك، وأنهم يطلبون إليك أن تولي رجلا أقدم سنا من أسامة. فوثب أبو بكر، وكان جالسا فأخذ بلحية عمر، فقال له: ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب، استعمله رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأمرني أن أنزعه " (1).
وهكذا توضح أن مخالفة الجماعة لقيادة أسامة، لم تكن إلا عذرا، الهدف منه البقاء في المدينة إلى ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) للسيطرة على الحكم... وهؤلاء قد أدركوا قصد النبي (صلى الله عليه وآله)، وأهدافه في بيعة الغدير، وفي طلبه كتابة الوصية لعلي (عليه السلام) وأمره بإخلاء المدينة من وجوه المهاجرين والأنصار في حملة أسامة.
ولما تم لأبي بكر السيطرة على الحكم لم يبق موجب لمعارضة تلك الحملة وقيادتها؟! وفعلا سيرها أبو بكر إلى الشام بقيادة أسامة بن زيد.
الدليل الرابع: لم يرغب أبو بكر وعمر بالسير في تلك الحملة، فطلبا إذنا من أسامة بن زيد فأعطاهما، ولكن استمرا في مناداته بالأمير في مدة خلافتهما. أي استمرا في رغبتهما السابقة في عصيان الانخراط في تلك الغزوة للتمكن من إدارة الحكومة.
وبذلك فقد ذهب أسامة بن زيد في حملته، دون فردين وهما أبو بكر وعمر. إذ قال أبو بكر لأسامة: إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل، فأذن له (2).