فكان الإمام (عليه السلام) يتحرق ألما وهو يشاهد المساعي والجهود التي بذلها نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) والمحبون المخلصون للإسلام، في سبيل تشكيل الحكومة والمجتمع الذي يعنيه الإسلام تمنى بالفشل، وذلك نتيجة لسلوك أناس كانوا يوما من الأيام يحاربون معه وفي صفه جنبا إلى جنب!! وكان مما يزيد في ألمه (عليه السلام) أن يرى من الناس من لا يكلف خاطره أو يشق على نفسه ولو بمجرد التفكير حتى يفهم ما إذا كان ما يقوله أولئك الأشخاص صحيحا أم غير صحيح، والطريق الذي سلكوه طريق حق أم طريق باطل، وما إذا كان أولئك الذين يتنحطون للإسلام تحت رايته ينشدون الإسلام حقا أم أن الإسلام كان قنطرة الوصول إلى مآربهم الشخصية؟
لا شك مطلقا في أن " الإ معين " أو قبيل الإمعة من المقلدين العمى الصم للشخصيات المنحرفة التي كانت تعاصر الإمام كانوا أشد مثارا لألمه من تلك الشخصيات ذاتها، إذ لولا هؤلاء الموالون لهم لما استطاعوا شيئا ولا سقط في أيديهم.
لقد روي عن الإمام (عليه السلام) في الحكمة 147 في نهج البلاغة، ما هو تحليل سياسي اجتماعي، قصير عميق، للمجتمع المعاصر للإمام (عليه السلام). وما أجدر لهذا التحليل بأن يكون لمجتمعنا الحاضر أيضا رائدا أو مسلكا ومنهجا.
إن لهذا التحليل ميزتان تتطلبان التأمل:
إحداهما: أن الإمام - تعبيرا عن تحليله - يأخذ يد كميل وهو من خاصة أصحابه ويخرج به إلى الصحراء، وهناك يلقي على كميل بتوجع وتأوه مطالب تعليمية صورت ما كان في قلبه من لوعة الألم والحزن. (1)