أخراهما: أن الإمام - قبل أن يتعرض بالحديث لمجتمعه المعاصر - استهل كلامه بتنبيه كميل إلى استعداد القلوب وسعتها للوعي، وأن من الناس من لهم هذا الاستعداد، ومنهم من ليس لهم ذلك، وأن الفضل على قدر هذا الاستعداد.
فيتضح أن الإمام لم ير مناسبة للتصريح بهذا الكلام الموجع لكل أحد، فاستماع هذا الكلام يحتاج إلى استعداد لا يتوفر في الجميع، وإلا فكيف يتكلم الإمام عن عدد المسلمين الصادقين، أولئك الذين عرفوا الإسلام حق المعرفة وظلوا أوفياء له؟! وكيف يقول بأن أفرادا - مع ما لهم من تلك السابقة المشرقة في الإسلام - قد ودعوا الاسلام لمجرد أن هدد الخطر مصالحهم الشخصية؟! وكيف يقول بأن الكثيرين من أهل زمانه ممن جذبتهم تنظيمات الشخصيات البارزة في المجتمع باسم الإسلام ليسوا مسلمين؟! ولم يفهموا الإسلام، ودينهم معلق بالشخصيات التي اعتقدوا بها واتخذوها معيارا للحق والباطل.
وعلى أي حال، فالتحليل المفعم بالألم والذي كان يبوح به الإمام علي (عليه السلام) إلى كميل كونه يعي شكوى الإمام من مجتمعه المعاصر آنذاك يبدأ من قوله:
الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور علم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق. (1) فالإمام (عليه السلام) في هذا الكلام يقسم الناس في مجتمعه أو مطلق الناس إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: وهم من عرفوا الحقيقة، فعقيدتهم وعملهم ومواقفهم الفردية والاجتماعية على أساس المعايير الصحيحة، وهم من عبر الإمام عنهم