تعالى أو إنسانا باسم المسيح أو بقرا أو فلزا أو خشبا. وعليه، لا تجوز مضايقة الناس، دعهم ينتخبون ما يتناسب وأذواقهم، فكل ما ينتخبونه حسن. (1) هذا الاستنتاج من الدين والمذهب - كما ذكرنا فيما مضى - ليس مستوحى من فكر يستند إلى قاعدة علمية ولا فلسفية، إنما هو إيجاد أذهان تستغل العلم والفلسفة لأغراض سياسية، فمخططو السياسات الاستكبارية الذين يدعون إلى حرية العقيدة لا يرغبون في الحقيقة أن يكون الكل أحرارا في إظهار آرائهم، لأن ذلك يؤدي إلى رشد العقائد السديدة ونمائها، وتحرر الناس من قيود العقائد الباطلة، وبالتالي يضعون نهاية لتلك القدرات السياسية، وعليه، فهم يجتهدون في تلهية الناس، أملا في التوصل إلى مآربهم السياسية المعادية للشعوب، وطالما كان الدين بمعزل عن السياسة وكانت المعتقدات الباطلة - لا فرق هنا بين مختلف الأديان الباطلة - أكبر دواعي التخدير واللهو أثرا، تراهم يعلنون حريتها بما تقتضيه مصالحهم السياسية.
هذا، ولو أن الدين أخذ مكانه في عالم السياسة ونمت في ظله العقائد الصائبة وتحطمت قيود المعتقدات الباطلة وانعتق الناس من نير القوى الاستكبارية وسلطانها، لما توقف الأمر على أن يحرمه أولئك الداعون الرسميون لحرية العقيدة فقط، بل ولأبيد أتباعه ومناصروه على أيدي هؤلاء المدعين لحرية العقيدة، أنفسهم، بحجة الدفاع عن حرية العقيدة.