إلى إعلان التوبة، كما حكمت المحكمة نفسها على الآلاف من العلماء بإلقائهم في النار أحياء.
وكان القس الإيطالي برونو من جملة أولئك العلماء الذين حكمت عليهم المحكمة المذكورة بالحرق في النار عام 1600 م بتهمة اعتقادهم بأن الإنسان عندما يبلغ سن الرشد تتبلور لديه عقيدة مطابقة لعقله واستنباطه حول العالم، ففي رأي المحكمة أن اعتقاد برونو كان دليلا على معارضته للدين المسيحي، ذلك لأن المحكمة الآنفة الذكر كانت تعتقد بأنه يجب على كل مسيحي يبلغ سن الرشد أن يعلن عن رأيه في الحياة الدنيا وفق ما جاء في الكتاب المقدس، لا حسبما يراه عقله واستنباطه، وعليه، كان برونو - كما ادعت المحكمة - مرتدا عن دينه بسبب حلول الشيطان في جسمه، ومن ثم استوجب الحرق لطرد الشيطان من جسمه.
أضف إلى ذلك أن الدين والمذهب في نظر المخططين للسياسات الدولية والفلاسفة الذين يستلهمون سياساتهم ليسا إلا وسيلة للهو، شأنهما شأن قصيدة أو فلم سينمائي، لا يهمهم فيهما الصدق والكذب أو الحق والباطل، وعلى حد تعبير الشهيد المطهري:
إن الدين والمذهب في رأي البعض من الفلاسفة الأوروبيين - سواء كان يتمثل بعبادة الأوثان أو عبادة البقر أو عبادة الله - أمر يختص ضمير الفرد...
وفيما يختص المسائل الدينية والمذهبية فإنهم لا يرغبون في الاعتراف بحقيقة الدين والنبوة، ويتجاهلون أن يكون الأنبياء قد بعثوا حقا من قبل الله تعالى، وإنهم رسموا للناس طريق حق يضمن سعادتهم لو أنهم اتبعوه، ولذلك تراهم لا يعترفون للدين بحقيقة أو منشأ، ويقولون: نحن نعلم فقط أن الإنسان لا يستطيع العيش بدون دين، فأحد شروط العيش انشغال الإنسان وتسليه بشيء على أنه دين أو معبود، سواء كان المعبود هو الله