قد قبل العقيدة بلا دراسة وأما قبلها بعد الدراسة ولكنه بتأثير من التفكير المكبل بالتقليد، وفي كلتا الحالتين يقوم اعتقاده على أساس التقليد.
بناء على ما تقدم فالمنشأ الأساسي للعقيدة ومصدرها إما التحقيق وإما التقليد، إلا أن هناك بطبيعة الحال منشأ ثالثا وهو الإلهام والإشراق، ونظرا لكونه ليس مصدرا عاما بل هو خاص بمن يستثنون من الأفراد بما يخرجه عن نطاق بحثنا الآن فلنستمهله إلى حينه. (1) أما ما يسترعي الانتباه هنا فهو أنه بمجرد دراسة معمقة يتضح لنا أن أغلب عقائد الناس وتصديقاتهم فاقدة للأساس الفكري ولا أصل لها من البحث والاستدلال، وإنما هي ثمرة التقليد!!
فالأب والأم، والقوم والقبيلة والبيئة، والحزب والمنظمة والجمعية، والشخصيات المحترمة، كل يلقن الإنسان رأيا ووجهة نظر، يتقبله تلقائيا فيقلده دون أن يطالب بدليل أو برهان عليه، فيألفه ثم يتعود عليه رويدا رويدا حتى ينعقد في ذهنه وروحه ويصير عقيدة له.
ولهذا كانت العائلة والبيئة عاملين أساسين لهما دور كبير في بلورة عقائد الغالبية الساحقة من الناس، وعلى وجه العموم فإن الآراء والمعتقدات تنتقل إلى الفرد عن طريق عائلته أو عن طريق من يعيش في بيئتهم، وقليل جدا أولاء الذين يختارون عقائدهم على أساس البحث والتثبت فقط، ومن ثم حذر القرآن الكريم الإنسان من تقليد أكثر الناس، قال تعالى:
(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون). (2)