أما جواب السؤال الآخر فهو: أن العقل في الوقت الذي يعلن حرية التظاهر بالعقيدة فإنه يرى وجوب الإقدام على تصحيح العقائد ويستلزم ذلك أيضا، بدليلين، أولهما: أن العقيدة أساس العمل وركيزته، والمعتقدات الموهومة الفاسدة مفسدة مضيعة للمجتمع، والآخر: أن مكافحة المعتقدات الموهومة جهد يهدف إلى تحرير الفكر، ولا يمكن للعقل إلا أن يقتضي موجبات تحرره.
وبيان ذلك: أن حرية العقيدة تتناقض أصلا مع حرية الفكر، فلا تتحقق حرية العقيدة حيثما كانت حرية الفكر، فكما سبق أن وضحنا أن العقيدة شئ يرتبط بالذهن وينعقد فيه ويندمج بروح الانسان، فإذا لم تكن عقائد الإنسان قائمة على أساس فكري محقق فهي أصفاد تشل حركة الفكر وتحبس الروح في حصار الأوهام، ولا تدع الإنسان حتى يفكر بحرية أو يصل إلى المعتقدات العلمية المطابقة للواقع. وعليه، فلا مندوحة أمامه إلا أن يختار حرية الفكر أو حرية العقائد الموهومة، فإذا ما اختار حرية الفكر أصبح تحطيم أغلال العقائد الموهومة أمرا جديا مهما، وكذلك عندما يكون مكبلا بالأغلال لا يستطيع أن يحطمها بنفسه، ولابد له من شخص طليق ليحرره، ولا يستطيع الفكر المكبل بسلاسل المعتقدات الموهومة المرتهنة للعقائد الفاسدة أن يتحرر منها وينجو بنفسه ما لم يتدراكه شخص طليق يقدم على تحطيم أغلاله وينقذه.
وعليه، فإن العقل يرى أن الإقدام على تصحيح عقائد الآخرين أمر ضروري واجب، ونظرا لأن تصحيح العقائد ليس بالقوة والإجبار كان الطريق إلى ذلك هو تنوير الأفكار وهدايتها إلى نضج العقائد الصحيحة وكمالها، وتعريف الحقائق إلى الناس بالدليل والبرهان، واستبدال التقليد بالتحقيق.
ولو أن فردا أو أفرادا أصبحوا حجر عثرة في سبيل حرية الفكر وتصحيح