يوبخه، فلما سكت أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبخه حتى انقضى آخرهم، فلما سكت القوم نهض عليه السلام قائما ثم قال: أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم، بنا هدى الله أولكم وبنا يختم آخركم، فإن يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكا مؤجلا وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة يقول الله عز وجل: والعاقبة للمتقين. فأمر به إلى الحبس فلما صار إلى الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحن إليه، فجاء صاحب الحبس إلى هشام فقال: يا أمير المؤمنين إني خائف عليك من أهل الشام أن يحولوا بينك وبين مجلسك هذا، ثم أخبره بخبره، فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة، وأمر أن لا تخرج لهم الأسواق، وحال بينهم وبين الطعام والشراب، فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما ولا شرابا حتى انتهوا إلى مدين فأغلق باب المدينة دونهم، فشكا أصحابه الجوع والعطش قال: فصعد جبلا يشرف عليهم فقال بأعلى صوته: يا أهل المدينة الظالم أهلها أنا بقية الله، يقول الله: بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ (سورة هود: 86)، قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم: يا قوم هذه والله دعوة شعيب النبي، والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم فصدقوني في هذه المرة وأطيعوني وكذبوني فيما تستأنفون، فإني لكم ناصح، قال: فبادروا فأخرجوا إلى محمد بن علي وأصحابه الأسواق، فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ، فبعث إليه فحمله فلم يدر ما صنع به).
وفي الكافي: 8 / 210: (عن أبي بصير قال: كنت مع أبي جعفر عليه السلام جالسا في المسجد إذ أقبل داود بن علي، وسليمان بن خالد، وأبو جعفر عبد الله بن محمد أبو الدوانيق، فقعدوا ناحية من المسجد فقيل لهم: هذا محمد بن علي جالس، فقام إليه داود بن علي وسليمان بن خالد، وقعد أبو الدوانيق مكانه حتى سلموا على أبي جعفر عليه السلام فقال لهم أبو جعفر: ما منع جباركم من أن يأتيني؟! فعذروه عنده، فقال عند ذلك أبو جعفر: أما والله لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك ما بين قطريها، ثم ليطأن الرجال عقبه، ثم لتذلن له رقاب الرجال، ثم ليملكن ملكا شديدا، فقال له داود بن علي: وإن ملكنا قبل