الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته، فلما رآه أنكره فقال: يا مقداد ما أزعجك من رحلك هذه الساعة؟ قال: يا أبا الحسن خل سبيلي ولا تسألني عما ورائي. وقال: يا بن أخي إنه لا يحل لك أن تكتمني حالك. قال: أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمدا بالنبوة ما أزعجني من رحلي إلا الجهد، ولقد تركت أهلي يبكون جوعا، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض، فخرجت مغموما راكبا رأسي فهذه حالتي وقصتي. فهملت عينا علي بالبكاء حتى بلت دموعه لحيته، ثم قال: أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني غير الذي أزعجك ولقد اقترضت دينارا فهاك، وأوثرك به على نفسي.
فدفع له الدينار ورجع حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر والعصر والمغرب، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب مر بعلي في الصف الأول فغمزه برجله فسار خلف النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحقه عند باب المسجد، ثم قال: يا أبا الحسن هل عندك شئ تعيشنا به؟ فأطرق علي لا يحر جوابا حياءا من النبي صلى الله عليه وسلم وقد عرف الحال الذي خرج عليها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إما أن تقول لا فنصرف عنك أو نعم فنجئ معك، فقال له: حبا وتكريما اذهب بنا وكان الله سبحانه وتعالى قد أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن تعش.
فأخذ الرسول بيده فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليها السلام في مصلاها وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام النبي صلى الله عليه وسلم خرجت من المصلى فسلمت عليه، وكانت أعز الناس عليه، فرد عليها السلام ومسح بيده علي رأسها وقال: كيف أمسيت عشينا غفر الله لك وقد فعل. فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه، فلما نظر علي ذلك وشم ريحه، رمى فاطمة ببصره رميا شميما فقالت: ما أشح نظرك وأشده، سبحان الله هل أذنبت فيما بيني وبينك