فانطلق الأعرابي مع بلال، فلما وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته:
السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومختلف الملائكة ومهبط جبريل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين. فقالت فاطمة: من أنت يا هذا؟ قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيد البشر مهاجرا من شقة بعيدة، وأنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد فواسني يرحمك الله تعالى.
وكان لفاطمة وعلي رضي الله عنهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم، على تلك الحال ثلاث ليال ما طعموا فيها طعام، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك من شأنهما، فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن والحسين، فقالت: خذ هذا أيها الطارق فعسى الله أن يتيح لك ما هو خير منه. فقال الأعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتيني جلد كبش فماذا أنا صانع به مع ما أجده من سغب؟.
قال: فعمدت فاطمة رضي الله عنها لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدتها إياه فاطمة بنت عمها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ونزعته من عنقها ودفعت به إلى الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لقد أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد وقالت:
فعسى الله أن يعوضك ما هو خير منه.
فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام عمار بن ياسر رضي الله عنهما فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اشتره يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذبهم الله بالنار.
فقال عمار للأعرابي: بكم تبيع هذا العقد يا أعرابي؟ قال: بشبعة من الخبز واللحم أذهب بها جوعتي، وبردة يمانية أستر بها عورتي وأصلي فيها لربي، ودينار يبلغني إلى أهلي.