ثم عمدت إلى ما كان في الخوان فأعطته إياه، فأصبحوا مفطرين وليس عندهم شئ، وأقبل علي والحسن والحسين نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يرتعشان من شدة الجوع، فلما أبصرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا الحسن أشد ما يسوءني ما أدرككم، انطلقوا بنا إلى ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها وهي في محرابها وقد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع وغارت عيناها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمها إليه وقال: وا غوثاه أهل بيت محمد يموتون جوعا. ولم ينته الرسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه حتى هبط عليه أمين الوحي وهو يرفع إليه سورة (هل أتى) وفيها أجمل الثناء وعاطر الذكر لأهل البيت، قال الله سبحانه وتعالى (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزءا ولا شكورا) لقد شكر الله سعيهم على هذا الايثار الذي لا نظير له في عالم المبرات والاحسان، وأورثهم في دار الآخرة الفردوس يتقلبون في نعيمه، وجعل ذكراهم خالدا وحياتهم قدوة وجعلهم أئمة المسلمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ويقول الشاعر:
ولزوج فاطمة بسورة هل أتى * تاج يفوق الشمس عند ضحاها لما شكا المحتاج خلف رحابها * رقت لتلك النفس في شكواها جادت لتنقذه بر خمارها * يا سحب أين نداك من جدواها