عادوا إليه فشد عليهم كذلك، فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري (1) فضرب بكر لعنة الله فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى، وفصلت ثنيتاه، وضربه مسلم على رأسه ضربة منكرة، وثنى بأخرى على حبل عاتقه كادت تطلع من جوفه، وجعل يحارب أصحاب ابن زياد حتى قتل منهم جماعة، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة، ويلهبون النار في أطناب القصب، ثم يلقونه عليه من فوق السطح، فخرج عليهم مصلتا بسيفه فناداه محمد بن الأشعث: لك الأمان لا تقتل نفسك، وهو يقاتلهم ويقول:
أقسمت لا أقتل إلا حرا * وإن رأيت الموت شيئا نكرا أكره أن أخدع أو أغرا أو * أخلط البارد سخنا مرا كل امرئ يوما يلاقي شرا * أضربكم ولا أخاف ضرا فناداه ابن الأشعث: إنك لا تكذب ولاة.
وكان قد أثخن بالحجارة، وعجز عن القتال، فأسند ظهره إلى الحائط.
فأعاد ابن الأشعث عليه القول: لك الأمان.
فقال: أنا آمن؟
قال: نعم.
ثم قال للقوم: ألي الأمان؟
قالوا: نعم.
فقال: أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، وأوتي ببغلة فحمل عليها، فاجتمعوا حوله، وانتزعوا سيفه، فكأنه عند ذلك يأس من نفسه فدمعت