ثم بكت ونادت: يا أبتاه أجاب ربا دعاه، يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه من ربه ناداه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه لست بعد اليوم أراه. (1) وكأني بها وقد أصلى ضلعها الخطب، ولاع قلبها الكرب، ولج فؤادها الحزن، واستوقد صدرها الغبن، حين ذهبت كاظمة، ورجعت راغمة، ثم انكفأت إلى قبر أبيها باكية شاكية قائلة:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كان شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * فاختل قومك فأشهدهم فقد نكبوا (2) فليت بعدك كان الموت صادفنا * لما قضيت وحالت دونك الكثب (3) ولم تزل - بأبي هي وأمي - بعد أبيها صلى الله عليه وآله ذات غصة لا تساغ، ودموع تترى من مقلة عبرى، قد استسلمت للوجد، وأخلدت في بيت أحزانها إلى الشجون، حتى لحقت بأبيها صلى الله عليه وآله معصبة الرأس، قد ضاقت عليها الأرض برحبها.
فلما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من دفنها في ظلام الليل، ورهقه من الحزن عليها ما عيل به صبره، وضاق به صدره، استقبل بوجهه ضريح رسول الله صلى الله عليه وآله يشكو إليه بثه وحزنه، وقد جاشت في صدره غصص الهموم،