وذلك لما وفد عليه بعبقريته التائية تلك القصيدة التاريخية الرنانة، التي تجاذبت بها أندية الأدب، وانتشرت في أقطار العرب، وقامت بتلاوتها في دار الرضا قيامة الأحزان، وقرعت ساحته الشريفة بنوح دعبل بها الأشجان، فبكى الإمام أحر بكاء، وعلا من وراء الستر صراخ النساء، وكان لأطفاله رنين ومأق ورغاء (1) حتى استولى عليه الإغماء، واشترك في البكاء معه جنة الأرض وملائكة السماء.
وقد علم الناس أن الإمام زين العابدين عليه السلام قد أمر بشرا (2) برثاء سيد الشهداء حيث قال:
يا بشر، رحم الله أباك لقد كان شاعرا، فهل تقدر على شئ منه؟
قال: نعم يا بن رسول الله.
قال عليه السلام: أدخل المدينة وانع أبا عبد الله.
قال بشر بن حذلم: فركبت فرسي، وركضت حتى دخلت المدينة، فلما بلغت مسجد النبي صلى الله عليه وآله رفعت صوتي بالبكاء، وأنشأت:
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها * قتل الحسين فأدمعي مدرار الجسم منه بكربلاء مضرج * والرأس منه على القناة يدار (3)