وأهل الطغيان فيما مضى من الدهور والأزمان، فالمراد بكونه عزيزا استمرار هذا الدين على الوجه المقرر، وعدم اندراس نوره الذي يتحقق بتبعية الأئمة (عليهم السلام) وأما إرادة عموم التبعية أو غلبتها من العزة فغير لازمة.
ويمكن تأييد الدلالة في الرويات بأنه لا يكفي في الأمير المذكور في الروايات كونه أميرا من أمراء الإسلام مطلقا، لعدم انحصار الأمير بهذا الوصف في العدد، بل المراد هو الأمير المعين بتعيين الله تعالى، حتى يستنبط من قوله (صلى الله عليه وآله) أن الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر خليفة، ومن قوله (صلى الله عليه وآله) " لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة " مدخليتهم في عزة الدين، ليهتم طالب الحق والنجاة في معرفتهم، فيأخذ ما لا معرفة له إلا بهم منهم، فهم الذين عبر عنهم بسفينة النجاة.
فإن قلت: لا يلزم من إبطال الأول إثبات الثاني، فلعل المراد من الأمير في الروايات من له مزيد صلاح ومعرفة، وإن لم يبلغ درجة الحجية والعصمة.
قلت: صاحب المزية إذا لم تنته مرتبته إلى الحجية والعصمة، لو فرض انحصاره في الاثني عشر، لا اطلاع لنا عليه للإبهام، وعلى تقدير الاطلاع ليس في اطلاعنا عليه منفعة تتبادر من الروايات، فظاهر الروايات كونهم أحد الثقلين اللذين لن يضل المتمسك بهما، فلعله بهذه الروايات خصص رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبب النجاة بكونه من قريش وبعدها بأهل البيت، رعاية للتدريج اللايق ببيان مثل هذا الأمر.
ومنها: أن العقل يدل على استمرار نصب الإمام المعصوم من الله تعالى، كما ظهر لك مما ذكرته في أول مبحث الإمامة من الكتاب، وظاهر أن التعيين من غير بيان طريق المعرفة في حكم عدم التعيين، بل أوضح بطلانا منه، لأن هذا مثل أن يعين الملك واحدا للإمارة، ولا يبين بوجه من الوجوه للناس، يعاتبهم على عصيانهم الأمير، ولا يخفى أن أحدا لا يرتاب في سخافة كلام الملك حينئذ، وخروجه عن قانون التوجيه.