سفينة النجاة - السرابي التنكابني - الصفحة ٣٧٨
فجعلت أتبع مأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأطأ ذكره، حتى انتهيت إلى العرج (1).
قال ابن أبي الحديد: وروى محمد بن إسحاق في كتاب المغازي، قال: لم يعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدا من المسلمين ما كان عزم عليه من الهجرة إلا علي بن أبي طالب وأبا بكر بن أبي قحافة. أما علي فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبره بخروجه، وأمره أن يبيت على فراشه (2)، يخادع المشركين عنه ليروا أنه لم يبرح، فلا يطلبوه حتى

(١) نهج البلاغة ص ٢٥٦ رقم الكلام: ٢٣٦.
(٢) روى ابن البطريق في الفصل الثلاثين من العمدة [ص 237] من تفسير الثعلبي، في تفسير قوله تعالى * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) * بإسناده قال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب (عليه السلام) بمكة لقضاء ديونه، وبرد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه، فقال له: يا علي اتشح ببردي الحضرمي الأخضر، ثم نم على فراشي، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله عز وجل، ففعل ذلك، فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل وميكائيل: أني قد آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة، فاختار كلاهما الحياة.
فأوحى الله عز وجل إليهما: ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين محمد، فنام على فراشه، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فنزلا فكان جبرئيل (عليه السلام) عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فقال جبرئيل: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب؟ يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله) وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) *.
قال: قال ابن عباس: نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين هرب النبي (صلى الله عليه وآله) من المشركين إلى الغار مع أبي بكر، ونام علي (عليه السلام) على فراش النبي (صلى الله عليه وآله).
وروى من مسند ابن حنبل، بإسناده عن عمرو بن ميمون، قال: إني لجالس إلى ابن عباس، إلى قوله: وشرى علي (عليه السلام) نفسه لبس ثوب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نام على مكانه.
فإن قلت: نزول الآية في أمر المبيت، ومباهاة الله تعالى الملائكة، والقول بأنه يفديه بنفسه، يدل على عدم علم أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدم قتل المشركين إياه، وعلى غاية عظمته عند الله تعالى، فكيف يجتمع هذه الأمور مع قوله (صلى الله عليه وآله) " فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله " ومع الأمر بقضاء ديونه ورد ودائعه الدالين على الأمن من القتل؟
قلت: الأمن إنما يلزم لو علم (عليه السلام) بكون ذكر المشيئة للتبرك لا للتعليق، أو علم بكون الأمر بالقضاء والرد غير مشروط بالحياة بحسب القصد، فلعله (عليه السلام) جوز كون المشيئة تعليقية، وكون الأمر بالشيئين مشروطا بالحياة بحسب المعنى، وهو غير بعيد في الأوامر المطلقة لو لم يدع الظهور عند صدورها من الحكيم. وبالجملة نزول الآية والمباهاة والقول بفداء النفس، دالة على التجويز دلالة واضحة، ولا منافاة بينه وبين ما يتوهم منافاته له.
وفي خصوص قوله (صلى الله عليه وآله) " فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله " محمل آخر، وهو أنه لا يصل إليك ما يضرك ولا ترضيه، بل كلما يصل إليك فهو خير لك ولا كراهة لك عنه، لا أنه لا يصل إليك ألم بدني ومكروه جسماني، ولا يبعد تأييد هذا الاحتمال بما ذكر في الأصل، ثم قال بعضهم لبعض: ارموه بالحجارة، فرموه، فجعل علي يتضور ويتقلب ويتأوه تأوها خفيا.
فإن قلت: على تقدير حصول الأمن له (عليه السلام) بما ذكر أو بغيره أو بهما، هل يمكن توجيه كمال فضيلة المبيت المنكشف بالآية وغيرها؟
قلت: نعم لأنه (عليه السلام) يمكن أن يكون عند البيتوتة في غاية الرضا والتسليم بفداء نفسه، بل الالتذاذ به على وجه يستحق المدائح المذكورة وإن علم سلامته " منه ".
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة المحقق 3
2 موضوع الكتاب 4
3 الإمامة في نظر الشيعة، الإمامة في نظر السنة 5
4 هذه حجتنا 6
5 وتلك حجتهم، دعوة مخلصة 13
6 حول الكتاب 14
7 ترجمة المؤلف، اسمه ونسبه، الاطراء عليه 17
8 كراماته 18
9 تآليفه القيمة 20
10 مشايخه ومن روى عنهم، تلامذته ومن يروي عنه 22
11 ولادته ووفاته 23
12 في طريق التحقيق 24
13 مقدمة المؤلف 27
14 اثبات الصانع 28
15 علمه وقدرته وعدله وتوحيده تعالى 33
16 علمه تعالى عين ذاته 35
17 وجوده تعالى عين قدرته 36
18 الموجود مشترك معنوي بين الواجب والممكن 38
19 مختصر في نبوة نبينا (صلى الله عليه وآله) 43
20 مباحث الإمامة 45
21 الإمامة من أصول العقائد 53
22 فيما استدل به على حجية الاجماع 58
23 في قول المبتدع بما لا يتضمن كفرا 60
24 فيما إذا قال واحد أو جماعة بقول وسكت الباقون 61
25 تحقيق الاتفاق في الأمر الذي يتعلق به غرض القادر على البطش 63
26 بعض ما جرى في سقيفة بني ساعدة 63
27 ما يتعلق بامامة أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام) 70
28 آية المودة 70
29 حديث الغدير 76
30 آية الإكمال 83
31 حديث المنزلة 90
32 حديث وهو ولي كل مؤمن بعدي 97
33 حديث الثقلين 99
34 حديث السفينة 107
35 فيما يتعلق بامامة أبي بكر 109
36 الدليل الثاني من دليلي الطائفة الأولى على امامة أبي بكر 133
37 فيما يتعلق بامامة عمر 153
38 فيما يتعلق بامامة عثمان بن عفان 156
39 في مطاعن الثلاثة 161
40 خطبة الزهراء (عليها السلام) 171
41 بيعة أبي بكر كانت فلتة 185
42 كشف بيت فاطمة (عليها السلام) 191
43 التخلف عن جيش أسامة 196
44 حديث الإقالة 202
45 عدم العدالة في تقسيم الخمس 203
46 عدم العلم بمعنى الكلالة 204
47 نسبة الهجر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) 205
48 منع المتعتين 209
49 انكار موت الرسول (صلى الله عليه وآله) 215
50 الأمر برجم الحاملة 219
51 الأمر برجم المجنونة 221
52 المنع من المغالاة في المهر 223
53 شناعة وقباحة 226
54 ضربه رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله) 228
55 عدم العلم بخلافته 233
56 الاعتراض على رسول الله (صلى الله عليه وآله) 235
57 رأيه في الطلاق 237
58 شناعة آرائه وعقائده 237
59 ابداع التراويح 240
60 ضربه عمار ونفيه أبا ذر 244
61 ضرب ابن مسعود واحراق مصحفه 257
62 جهله بأحكام الشريعة 267
63 رده الحكم بن أبي العاص 269
64 تحقيق حول حديث العشرة المبشرة 271
65 تحقيق الروايات الواردة في مدح الخلفاء 276
66 شكاية علي (عليه السلام) ممن تقدمه 306
67 وصية العباس 320
68 كتاب علي (عليه السلام) إلى معاوية 326
69 كلامه (عليه السلام) في نهج البلاغة 330
70 ما ورد في حب علي (عليه السلام) وبغضه 331
71 الحق مع علي (عليه السلام) 341
72 فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) 353
73 حديث المناشدة 361
74 كلام شارح التجريد 366
75 مبيته (عليه السلام) في فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) 377
76 اثبات امامة باقي الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) 382
77 في مجمل من المعاد الجسماني 393