أنه هو، فرصدوه إلى أن أصبحوا، فوجدوه عليا، وهذا طريف، لأنهم كانوا قد أجمعوا على قتله تلك الليلة، فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجى؟ وانتظارهم به النهار دليل على أنهم لم يكونوا أرادوا قتله تلك الليلة.
فقال في الجواب: لقد كانوا هموا من النهار بقتله تلك الليلة، وكان إجماعهم على ذلك، وعزمهم في خفية (1) من بني عبد مناف، لأن الذين محصوا هذا الرأي واتفقوا عليه: النضر بن الحارث من بني عبد الدار، وأبو البختري بن هشام، وحكيم بن حزام، وزمعة بن الأسود بن المطلب، هؤلاء الثلاثة من بني أسد بن عبد العزى، وأبو جهل بن هشام، وأخوه الحارث، وخالد بن الوليد بن المغيرة، هؤلاء الثلاثة من بني مخزوم، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وعمرو بن العاص، هؤلاء الثلاثة من بني سهم، وأمية بن خلف، وأخوه أبي بن خلف، هذان من بني جمح، فنما هذا الخبر من الليل إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فلقى منهم قوما، فنهاهم عنه، وقال: إن بني عبد مناف لا تمسك عن دمه، ولكن صفدوه في الحديد، واحبسوه في دار من دوركم، وتربصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء.
وكان عتبة بن ربيعة سيد بني عبد شمس ورئيسهم، وهم من بني عبد مناف، وبنو عم الرجل ورهطه، فأحجم أبو جهل وأصحابه تلك الليلة عن قتله إحجاما، ثم تسوروا عليه، وهم يظنونه في الدار.
فلما رأوا إنسانا مسجى بالبرد الأخضر الحضرمي لم يشكوا أنه هو، وائتمروا في قتله، فكان أبو جهل يذمرهم عليه، فيهمون ثم يحجمون، ثم قال بعضهم لبعض:
ارموه بالحجارة، فرموه، فجعل علي يتضور منها، ويتقلب ويتأوه تأوها خفيفا، فلم يزالوا كذلك في إقدام عليه وإحجام عنه، لما يريده الله تعالى من سلامته ونجاته،